الاهتمام الأمريكي بإيران حق يراد به باطل-بقلم: مهدي دخل الله

لماذا هذا الاهتمام الأمريكي بإيران منذ عامين، بينما كانت واشنطن تعاديها وتفرض العقوبات عليها قبل ذلك؟ لماذا تدير واشنطن ظهرها للصهاينة الذين يعترضون بقوة على«التفاهم» الأمريكي – الإيراني لماذا ترجو العاصمة الأمريكية وصال طهران التي تتمنع «رسائل أوباما الأربع إلى خامنئي الذي لم يجب عليها»..

إنها نظرية الاحتواء.. والاحتواء هنا ضروري أمريكياً لإكمال الطوق حول روسيا المنافس الأهم للولايات المتحدة وهذا – إضافة إلى توسيع «الناتو» – أكبر مؤشر على أن حرباً باردة جديدة تأخذ طريقها بين القطبين الكبيرين: الروسي والأمريكي..

في إطار هذه المحاولات الأمريكية يبدو أن الخلاف النووي مع طهران ثانوي، بل هو مجرد أداة لابتزاز إيران لعلها توافق على مشاريع أمريكية تسهم في مخطط تطويق القوة القديمة – الجديدة: روسيا.

ضمن هذا المخطط يتصور الأمريكيون لإيران دورين، الأول: الإسهام في تعزيز الطوق الجيوسياسي حول المارد الروسي وحبسه في جغرافيته،والثاني: الإسهام في إضعاف اعتماد أوروبا على روسيا في مجال الطاقة. فلقد عرضت واشنطن على طهران تمديد خط أنابيب عبر تركيا لتصدير الغاز الإيراني إلى القارة العجوز.

تعتبر واشنطن إيران فجوة كبيرة في إطار إحكام الطوق حول روسيا، فبعد سيطرتها على أوكرانيا ورومانيا وبلغاريا تكون الولايات المتحدة استحوذت على الشاطئ الشمالي والغربي للبحر الأسود، أما الشاطئ الجنوبي فهو تحت سيطرة تركيا عضو «الناتو» والحليف القديم لأمريكا. بعد إيران يكتمل الطوق الجغرافي بأفغانستان وباكستان ويبقى لروسيا منفذ جغرافي واحد هو الصين..

الإيرانيون لاعبون مهرة في سوق النخاسة السياسي الدولي وعندهم –كما سورية- الاستقلال مبدأ لا يمكن أن يعرض في هذه السوق لأنه جوهر وجود الدولة. لذلك فهم يستغلون هذه الحاجة الأمريكية الماسة لهم كي يحققوا مكاسب لتعزيز موقع بلدهم في المنطقة، وإفشال المخطط الأمريكي في الوقت نفسه..

لا مساومة على المبادئ، ومن أهمها حسن الجوار مع روسيا وعدم الانخراط في ألعاب الاستعمار الجديد. كان جواب طهران قطعياً حيث أعلنت رفضها قبول أي مشروع لتمديد الغاز يضر بمصالح الجار الروسي. يخطئ الأمريكيون إذا ظنوا أن القيادة الإيرانية مثل جيرانها الدمى في الجانب العربي من الخليج لذلك فإن تأجيل المفاوضات لستة أشهر لن يفيد واشنطن في شيء إذا كانت تتوهم أن الموقف الإيراني سيتغير..

من جهة ثانية تقوم روسيا «بهجوم دبلوماسي» معاكس باتجاه تركيا، الدولة التي تسيطر على عنق البحر الأسود (مضيقي البوسفور والدردنيل)، إضافة لسيطرة روسيا على القرم وهو اللسان البري الداخل إلى عمق البحر الأسود، وتعزيز موسكو علاقاتها مع طهران. وأعتقد أن لسورية دوراً أساسياً في العمل على تعزيز هذه العلاقة بين حليفيها الكبيرين. ليس فقط لأن انتصار سورية على الإرهاب سيعزز موازين القوى لمصلحة هذا الحلف الواسع، وإنما لابد من أن تبذل دمشق جهدها لتعزيز خط موسكو- طهران وعدم السماح بإضعافه.

صحيفة تشرين