في حمّى المعادلات المقلوبة

من الغرابة في استمرار النفاق والكذب في السياسة الأميركية ما أكده محلّلو «خدمات الأبحاث» في الكونغرس الأمريكي مؤخراً، نقلاً عن الممثلين الرئيسيين للمجتمع الاستخباراتي، من أن تنظيم «الدولة الإسلامية» يقيم مراكز التدريب في العراق وسورية بقصد شنّ هجمات على الولايات المتحدة!!
وكأن أمريكا الممعنة في سياساتها العدوانية لم تكتفِ بكلّ سياساتها التضليلية السابقة التي بدأت مع تدمير العراق بالكذبة الكبرى التي لن تستطيع أمريكا، ولامَنْ تحالف معها النفاذ منها، بما حملته اعترافات المجتمع المخابراتي نفسه، وأكدته ملايين التحليلات والتصريحات والكتب والأفلام الوثائقية التي لم تُخجِل أمريكا، لتعود إلى المنطقة على جناح «الدواعش، والدوامس.. الخ» وغيرها من التسميات التي تتجلّى فيها علامات الإرهاب، وبيانات التكفير.. ومن ثمّ ركوب منصة البحث عن كيفية التصدي للتهديد المزعوم لها، عبر رسائل تحملها الخارجية الأمريكية إلى السعودية الشريك الدموي في دعم أمريكا لـ «المعارضة المعتدلة..!!» في سورية، التي لم تأل أمريكا جهداً في الاستهزاء منها قبل أيام بوصفها بالفانتازيا، لتعود اليوم لتبحث لها عن الدعم «أي للمعارضة المعتدلة..!!» كما تسميها لتقف في وجه «داعش»، وبما يتطابق مع موقف هيغ الذي لم يخفِ الأمر نفسه بقوله نحن ندعم وسندعم.
والسؤال الذي يتبادر، ويرتكز في الأذهان، هو أن تبحث عن أمريكا لتحلّ لغز «داعش» في العراق، وتحل حمّى المعادلات المقلوبة التي شكّلت الخط البياني لسياسة النفاق الأمريكية التي تراها في وجه ليل يمحوه النهار، ووجه نهار يمحوه الليل، والسبحة مستمرة على كيفية صياغة المشاريع التقسيمية التي لن تتوقف عند هذه المنطقة فحسب، وإنما بات امتدادها التوسعي باتجاه المغرب العربي على جناح «الدوامس أولاد عم» لتنتهي بما ابتدأته في خلط أوراق المنطقة كاملةً، لتعيد ترتيبها بمقدار المليارات المدفوعة، وآخرها نصف المليار دولار لدعم المعارضة – حسب رأيهم – في وجه «الدواعش»!!..
فإذا كانت الحليفة التركية لأمريكا في مؤامرتها، تؤكد لقنصليتها في الموصل أن تنظيم مايسمى دولة العراق والشام الإرهابي ليس خصماً لتركيا فكيف يكون خصماً لأمريكا؟!
في الرؤية الاستراتيجية المعمّقة، القائمة على الخطط المكشوفة، والمشاريع المفضوحة، تبرز السياسة الأمريكية التي يهدف واضعوها – في رأي المحلل السياسي مادي داريوس – إلى تحويل المنطقة الممتدة من شمال إفريقيا والشرق الأوسط إلى بؤرة للقتال، مع إشعالها، بامتداداتها، بدءاً من المغرب والبحر الأبيض المتوسط وصولاً إلى حدود الصين. والممعن في تفكيك آلية تلك الرؤية، على ضوء ما يجري على أرض المنطقة، يرى أن أمريكا و«إسرائيلها» المدلّلة، وأدواتها هم مَنْ يصنعون معاً عجينة التقسيم الدموي التي لن تنجو الأدوات منها، في دوامة الإرهاب المصنَّع من دون قياس.
بقلم: رغداء مارديني