فــــي «بــــازار» الإرهـــاب..!!

بين الإرهاب المسكوت عنه والإرهاب المرغوب به تتنازع المواقف الغربية أدوارها في البحث عن لافتة تصلح للحديث عن مكافحة الإرهاب، وبين هذه وتلك يتنطح رعاة الإرهاب لملء الشواغر أو تعئبة الهوامش فيما تبقى من دائرة الحديث، وإن اقتضت الضرورة الإضافة والمزايدة حتى على أسيادهم في ذلك.‏
وفي ثنائية الرد والصد يتقاسم الغرب ووكلاؤه التموضع داخل اللوحة، وإن كان السعودي والإسرائيلي يتصدران المشهد من خارج السياق، الأول تلميحاً بما يمتلكه من إرث التعاطي مع الإرهاب مذكراً بتاريخه الطويل في مصافحته، والثاني تصريحاً بما يتوافر بين يديه من أدوات المكافحة واتساع مظلة حمايته وخطوط «دفاعه» في المواجهة المنتظرة.‏
على هذه القاعدة تتكشف في الأفق وعلى مرأى من العالم معالم حركة السواعد الغربية التي تتحضر لمواجهة الإرهاب والاستعداد لخوض المعركة الفاصلة، كل من زاويته ومن وجهة نظر أطماعه وحسابات إحداثياته ورصيد علاقته مع الإرهاب، حتى تحولت مكافحة الإرهاب إلى كلمة سحرية يلتقي حولها كبيرهم وصغيرهم.. المهيمن وآمر العمليات مع المنفذ والتابع.. الأصيل مع الوكيل وربما بالتوازي، ولا يغيب عنها أو يفترق حولها حتى الذين يرعونه ويحمونه ويمولونه.‏
والحصيلة حتى اللحظة أننا نسمع جعجعة لا طائل منها ولا طحيناً منتظراً سوى مزيد من الإرهاب سواء المقيم منه أو العابر للحدود الذي يصطاد في كل الاتجاهات ويطرق الأبواب والنوافذ والجدران أيضاً، مستفيضاً في الجبهات المفتوحة التي يؤجج نيران القتل والدم فيها دون توقف.‏
فإسرائيل أعلنت النفير، والسعودية تشحذ الهمم، وأميركا تبدي خشيتها، وأوروبا تشهر هواجسها، وتركيا تجري حساباتها..أو تعقد معادلاتها الجديدة على الواقع القائم وفرضيات الإحداثيات القادمة على الأرض، فيما الإرهاب يتمدد دون توقف ويتنقل غرباً وشرقاً.. شمالاً وجنوباً.‏
وحده مجلس الأمن لم يَدْعُه أحد للحضور ولم تصل صندوق بريده حتى رسالة دعوة وجاهية أو بروتوكولية ليدلي بدلوه، ويقول كلمته حتى لو صمت بعدها أو عاد إلى سياسة الأدراج المقفلة، فيما يتعلق بالقرارات التي لا يريد لها الغرب أن تغادر جدران القاعة التي تُتخذ فيها.‏
والسؤال: إذا كان العالم بوجهه الغربي وخليفته من الأدوات والوكلاء يدعي دون استثناء ذلك النفير العام، لماذا غاب ويغيب دور مجلس الأمن والأمم المتحدة عن الحديث الغربي وأتباعه في المنطقة، وهو الذي اعتاد أن يكون له قصب السبق في التلويح بالعصا الأممية الممتدة إلى أصقاع العالم؟!!‏
الإجابة ليست هنا، ولا مكان للاستفاضة في احتمالاتها ما دامت المسألة مرتبطة بجزء مغاير ومغيب من الحقيقة الواضحة، بأن تلك المخاوف ليست من واقع الخشية من احتمالات نفاذ الإرهاب إلى حيث لا يريد الغرب ولا يقبل به وكلاؤه الإقليميون، بقدر ما تدخل في نطاق المحاصصة الجديدة على الإحداثيات التي يفرضها هذا الحضور، وبالتالي البحث عن شمولية التقاسم لمراكز التموضع تبعاً للأطماع أو وفقاً للأدوار الوظيفية المطلوبة بالتوازي مع الإرهاب وأدواته والخرائط التي يحملها.‏
النفاق الغربي في المسألة ليس في آلية التعامل مع خطر الإرهاب فقط، ولا في التوظيف المزدوج الأهداف والمتعدد الوسائل فحسب، بل أيضاً في الانجراف المتسارع نحو الكشف عن آخر الأوراق وإسقاط ما تبقى من أقنعة تدفع بالإرهاب إلى السفح الأخير، ليكون الشاهد على الخرائط التي أعدتها قاعات الغرب وأقبية مخططاته السرية في الصفقات المعقودة معه.‏
فحيث السعودية تتنطح لمكافحة الإرهاب، وإسرائيل تتبجح بتقديم المساعدة لمواجهته، لا تستطيع الأمم المتحدة ولا مجلسها ولا قراراتها أن تحضر، وحيث تقف أميركا بمرتبة رئيسها أوباما ووزير خارجيته وهما يلهثان داخل الأقبية بحثاً عن ثنائية الدور والوظيفة، في «بازار» الإرهاب بوجهه السعودي أو بشكله الإسرائيلي ومتدرجاته، أم من خلال توكيل إضافي لمن «سمنته» سنوات الخدمة الاحتياطية في الصفوف الخلفية للوكلاء المعتمدين، بعد أن غلفته الشهوة العرقية والدينية ليكون حجر الرحى في طاحون الإرهاب ومكوناته.‏
بقلم: علي قاسم