أوروبا القلقة من الإرهاب لابد أن تعيد النظر في سياستها- الوطن العمانية

متابعة مايجري في أنحاء أوروبا تكشف عمق الأزمة القادمة من بعيد، حيث ليس فقط علامات القلق من الخلايا النائمة في الداخل، بل مما قد يحصل جراء عودة المسلحين الإرهابيين إلى بلادهم، وهي عودة منتظرة نظرا لطبيعة المعركة الدائرة في سورية والعراق والتي يؤمل من خلالها أن يتمكن جيشا البلدين من تحقيق انتصارات مؤزرة تدفع المقاتلين الأجانب إلى العودة من حيث أتوا.

نسمع كل يوم أن في هذا البلد الأوروبي عشرين خلية نائمة وفي ذاك مثله وفي تلك يستعد جيشها لدور ما. إذ لم تعد أوروبا كما كانت قبل سنوات تفجر الأزمات في الوطن العربي، وهي التي ساهمت إلى حد كبير في بعضه، بل انها تعتبر الأساس في تخريب ليبيا مثلا ، وفي الأزمة السورية كذلك، وفي العراق أيضا. أوروبا ساهمت بتصنيع حالة التوتر في هذه المناطق، وكان أن قدمت من شبابها مسلحين أكفاء قادوا المرحلة أو ناوبوا عليها. ويذكر في هذا الصدد أن هنالك ثلاثة آلاف مسلح بريطاني، فيما مسلحو فرنسا بالآلاف أيضا، دون أن ننسى الألمان الذين جلهم من أصل تركي، وأن نتذكر انه في البعيد أيضا ماحصل في استراليا وفي كندا وأن الولايات المتحدة التي تحاول جاهدة حماية نفسها ليست ببعيدة، مع أن آخر التحليلات تؤكد بان السيطرة الأميركية على ” داعش ” أدت إلى تحييدها، لكن هل يأمن أحد من عقل إرهابي يعيش فوضاه الفكرية.

لقد لعبت استخبارات بعض البلدان الأوروبية وخصوصا فرنسا وبريطانيا وألمانيا وبلجيكا لعبة خطرة حين جندت أو على الأقل تغاضت عن تجنيد الآلاف من مواطنيها أو من المقيمين في أراضيها والزج بهم للقتال في سورية في إطار المؤامرة الكونية ضد هذا البلد العربي الممانع، ولذلك ليس غريبا أن تتحسس أوروبا رأسها، وخصوصا التي ذكرنا، وهي دول لم تتنبه إلى أن من ينبع الإرهاب من أراضيه لابد أن يرتد عليه. لايمكن درء الأخطار عن مجتمع صدر الإرهاب إلى الخارج، وعندما فرغ هذا الإرهاب من دوره في ذلك البلد أو ذاك، لابد أن يرتد على نفسه ومكانه الطبيعي، تماما كما اشتكى الجميع من إفرازات أفغانستان التي أوصلت العالم إلى حافة حرب كبرى حين تم الاعتداء المعروف في الحادي عشر من سبتمبر عام 2001.

وليس غريبا أن تقلق أوروبا وأن يصيبها خوف الأيام القادمة، وأن تعد العدة لعدوى انتقال الإرهاب إليها. هي عينة مما حصل في باريس ومن ثم في بلجيكا، ونحسب أن المفاجآت يجب أن لاتصيب آخرين إذا ماوقع محظور جديد في هذا البلد أو ذاك، فأوروبا كلها في مرمى الإرهاب ـ الذي هو من بعض صنيعها ـ له استراتيجيته البعيدة المدى، والذي يعتبر العالم الأوروبي واحدا من مسارحه المفترضة.

المطلوب من أوروبا إعادة النظر بسياستها التي حفرت مكانا للإرهاب وما زالت. وأغلب الظن ان فرنسا التي اكتوت من عملية الصحيفة قد بدأت تعيد النظر، وأن الشعب الفرنسي لايريد ان يدفع ثمن سياسة حكومته من دمه، وإذا كان الرئيس الفرنسي هولاند قد وجد ضالته في العملية الإرهابية فيما كان يترنح نحو السقوط، إلا ان عملية أخرى قد تطيح به وهو يعرف جيدا التركيبة النفسية عند الفرنسيين.

لن تخرج أوروبا من قلقها الواضح، سوى بإعادة النظر في سياستها إزاء منطقتنا وتحديدا في سورية والعراق وقبلها في ليبيا. وعليها أن تتذكر أن من يلعب بالنار لابد أن يحرق أصابعه، وبعدها يده كلها.

رأي الوطن

انظر ايضاً

الوطن العمانية: عودة سورية إلى الجامعة العربية تعيد الدور العربي لمكانته الصحيحة

مسقط-سانا أكدت صحيفة الوطن العمانية في افتتاحيتها اليوم أن العودة السورية إلى الجامعة العربية تمثل …