الرسالة الأولى…تَواصُل النهج

ما إن أعلن الديوان الملكي السعودي وفاة الملك، حتى سارعت منظمة «هيومن رايتس ووتش» إلى الطلب من الملك الجديد، أن يضع حداً للتعصب في مجال حرية التعبير، وتشجيع إقامة نظام قضائي منصف وعادل، وصياغة قانون جنائي يحمي حقوق الإنسان، وإجراء إصلاحات سياسية.. في الوقت الذي كانت رسالة الملك الجديد الأولى هي: التعهّد بالحفاظ على سياسات البلاد في مجالي الطاقة والشؤون الخارجية، بمعنى، لاتغيير سيحصل، عندما قال: سنظلّ متمسكين بالنهج ذاته الذي سارت عليه المملكة منذ تأسيسها.

والسؤال المطروح هنا: أيّ نهجٍ ذاك الذي ستواصل المملكة السعودية السير عليه؟ هل المقصود بالنهج هنا متابعة دعم المملكة للإرهاب، وبقاؤها السلاح الذي حاربت به الولايات المتحدة و«إسرائيل» دول المنطقة، والأداة الطيعة، والخادم الأمين، والذراع التي عملت على تخريب الوطن العربي وتدميره، ضمن مشروع التقسيم الصهيوني، وبما حمله النهج الوهابي من تكفير وإقصاء للإسلام المعتدل؟

وهل يمكن القول: على السعودية أن تراجع حساباتها بعد هذا التخريب المتعمد الذي جرّته سياساتها على بنية الوطن العربي التحتية والفوقية، ومازال الحبل على الجرار؟.

وهل يمكن أن تدرك المملكة أنه من المفترض أن تعمل على الحدّ من آلية الإرهاب الجهنمية التي قد تطولها هي نفسها إذا لم تسارع إلى قراءة سياساتها قراءةً حقيقية، وترى ما فعلته مسيرتها السياسية الوهابية التكفيرية في المنطقة استناداً إلى رؤية الدولة السورية عندما قالت إنه من مصلحة المملكة السعودية أن تعيد النظر في توجّهاتها، ومناهجها، وفي صلاتها بمحيطها العربي، لإن الارهاب عدو مشترك، وفي السعودية يبدو أن الأرض خصبة تماماً للثقافة الوهابية، وهذا الارهاب؟ وبخاصة بعدما أعلن مؤخراً عن استضافة السعودية ومعها قطر وتركيا: الثالوث الداعم للإرهاب، تدريب المعارضة السورية المسلحة التي تسمى زوراً وبهتاناً وبين مزدوجتين «المعارضة المعتدلة»، بعد أن قامت كل من السعودية وقطر بشراء ضمير المنظمات الأممية بالأموال.. ولم يعد ينفع في التغطية ما أثير في المؤتمر الدولي الذي انعقد في لندن لمكافحة الارهاب، بمشاركة إحدى وعشرين دولة، ثمانٍ منها عربية،  وقد توصلوا شكلاً الى ضرورة تنسيق الجهود لمواجهة تنظيم «داعش» الارهابي، والعمل على مكافحة تمويل الارهاب، وكأن الأمر يدخل في لغة «تبويس الذقون»، لأن مَنْ يجتمع ويقرر ما هو إلا الممّول، والمسهّل والمدرب ذاته لكل أشكال الارهاب في العالم، والحال واضح وضوح الشمس في سورية بما جره عليها الفكر الوهابي التكفيري من خراب وتدمير بإرهابه المنظّم، والمدروس، والمعروفة أهدافه وغاياته.

فإذا كانت المملكة السعودية تودّ السير على النهج ذاته مستقبلاً، فإن هذا يعدّ ترجمةً حقيقية لرؤية رئيس الكيان الصهيوني الذي قال: إن سياسة المملكة الذكية «سياسة الملك عبدالله» ساهمت كثيراً في استقرار منطقة الشرق الأوسط، ويقصد بالاستقرار هنا استقرار «إسرائيل» التي سعت، ومازالت تسعى، لكل هذه الفوضى التي يعيشها الوطن العربي والتي حملها إليه ربيع الصهيونية الأميركية العالمية، لتحقيق التقسيم المراد للوطن العربي إلى طوائف وإثنيات كي تنعم «إسرائيل» بالاستقرار وهو ما حققته لها المملكة فعلاً على حساب تفتيت الوطن العربي وتجزئته وسفك دماء أبنائه.

ولايعني تواصل النهج السعودي، ضمن هذا المنظور، إلا مزيداً من التدمير لبنية المجتمع العربي كاملةً.. فهل يرى العهد الجديد أيّ منقلب سينقلبون؟

بقلم: رغداء مارديني