هل ينفذ الأردن الخطة الأميركية الرابعة ويدفع الثمن؟

قبل شهر ونيف، وبعد أن أدركنا بشكل قاطع أن الخطة الأميركية الثالثة التي اعتمدت ضد سورية والتي اتخذت من داعش عامودها الفقري من اجل تحقيق الحلم الأميركي بشرق أوسط جديد، بعد أن أدركنا بان هذه الخطة فشلت هي الأخرى وأضافت فشلاً أميركياً ثالثاً في سياق الحرب الكونية التي تشن على سورية منذ أربع سنوات، فشل سبقه فشل خطة الإخوان، وفشل الخطة الوهابية السعودية بقيادة بندر، بعد أن أدركنا ذلك طرحنا السؤال ماذا ستخرج أميركا من جعبتها بعد داعش؟ والآن يبدو أن ما يجري على مسرح العمليات في المنطقة بات كفيلاً بتقديم الجواب على السؤال بشكل يكاد ينبئ بان الأردن قد يكون الخيار الأميركي الرابع بعد الخيارات الثلاثة الساقطة (الإخوان، الوهابية السعودية، وداعش). فهل سيكون الأردن فعلاً هذا الخيار؟‏

إن طرحنا للموضوع ليس من فراغ، ونحن نطرحه إثر تداعيات الإعلان عن قتل الطيار الأردني على يد داعش تلك القتلة الفظيعة التي ينكرها كل شرع أو قانون أو أخلاق أو إنسان قويم، ثم أننا نطرحه رغم ما نعرف من امر الأردن وسلوكه حيال سورية منذ اللحظات الأولى للعدوان عليها..‏

. وللتذكير فقط فان الأردن لعب دوراً بالغ السلبية ضد سورية وشكل القاعدة الجنوبية المكتملة العناصر والصفات لمد العدوان وأدواته الإرهابية بكل ما يحتاجه في الحرب ضد الدولة السورية.‏

ففي الأردن كان ميدان المناورات والتحضيرات لغزو سورية في حال أتاحت الظروف ذلك، وكلنا يذكر مناورات الأسد المتأهب التي شاركت فيها أكثر من 23 دولة بينها جميع دول الجوار السوري ومع دول من الأطلسي، وفي الأردن أقيمت معسكرات التدريب المفتوحة للإرهابيين الذين تسللوا عبر الحدود الجنوبية وانضووا في المنظمات الإرهابية المتعددة التسميات من داعش ونصرة وجيش إسلام وما إليهم فضلاً عما كان يسمى جيش حر.‏

وفي الأردن أنشئت غرفة العمليات الجنوبية التي اضطلعت بإدارة العمليات العسكرية الإرهابية ضد الدولة السورية، غرفة عمليات تكاملت في نشاطاتها مع غرفة العمليات الشمالية المقامة في تركية، وفي كليهما يجلس جنباً إلى جنب السعودي والقطري والأردني والتركي والفرنسي والبريطاني وطبعاً الإسرائيلي وبقيادة أميركية.‏

والأردن هو الذي أنيط به تشكيل الفيلق الإرهابي الأول ، بتجميع 35 فصيلاً إرهابياً، ليعد لمعركة الفصل – كما أسموها – المعركة التي تنطلق من الجبهة الجنوبية في عملية خرق سريع بإسناد جوي إسرائيلي وأردني، لتمكين جيش الإرهاب الأول من الوصول إلى دمشق ومحاصرتها في مرحلة أولى ، ثم دخولها بعد أن تكون القوى المنتظرة في محيطها قد فعلت فعلها في استنزاف المدينة و إرهاقها بقذائف عشوائية تعطل الحياة فيها ثم تدفع إلى إفراغها من السكان ليسهل احتلالها (و في هذا السياق يأتي قصف دمشق من قبل إرهابيي الغوطة الشرقية الذين يبدون الآن منفصلين عن الواقع و ينفذون خططاً سقطت).‏

نعلم جيداً أن الأردن اضطلع بكل هذه الأدوار والمهمات سواء باختيار حر من حاكمه، أم استجابة لضغوط شتى مارستها السعودية بأموالها أو ابتزته بها إسرائيل عبر وسائلها الاحتيالية أو فرضها عليه الغرب خاصة أميركا في سياق سياسة التبعية القائمة، لكن كل ما ذكر لم يخرج إلى العلن بالموقف الصريح، أما الآن ووفقاً لما بات يتشكل من إرهاصات فيبدو أن دور الأردن سيتجاوز كل ما ذكر رغم أهمية ما قام به سابقاً.‏

والدور الجديد الذي يمكن أن نتحدث عنه أو أن نتصوره يتمثل بعمل عسكري بري مباشر ينفذه الجيش الأردني تحت شعار الانتقام لحرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة على يد داعش الإرهابية وبالشكل الفظيع الذي ذكرنا، نقول بهذا انطلاقاً من ملاحظات سجلت على هامش الجريمة مع ما سبقها أو ما تبعها من سلوكيات ومن هذه الملاحظات:‏

أ‌. اللغط الذي يدور حول كيفية إسقاط طائرة الكساسبة، وكنا نحن من القائلين لحظة سقوط الطائرة بان احتمال إسقاطها من قبل داعش هو احتمال ضعيف جداً لا بل إننا استبعدنا وقتها ذلك وقلنا بفرضيات أخرى منها النيران الصديقة أو عمل استخباري أدى إلى ترك الطيار لطائرته، أما الآن فيبدو أن التشكيك يتعزز مع ما يتناقله بعض العارفين ويتداوله أردنيون منهم والد الطيار نفسه من أن سقوط الطائرة كان بنيران حليفة قد تكون عربية الأمر الذي جعل الإمارات العربية توقف مشاركتها بمهمات التحالف الجوية.‏

ب‌. أن طريقة القتل وتصويرها وكيفية تعميمها بعد شهر على ارتكاب الجريمة الشنعاء ترسم بذاتها علامات استفهام كبيرة، لان فيما تم في هذا السياق سعي لتحقيق أغراض أخرى، ليس أقلها دفع الأردن وتحت ستار الانتقام والثأر إلى الانخراط بشكل أعمق في الحرب على سورية.‏

ت‌. التركيز الإعلامي الغربي المسيطر عليه من قبل المخابرات خاصة الأميركية، التركيز على قدرات الجيش الأردني وقوته وقدرته على خوض حرب برية باتجاه سورية من اجل مواجهة داعش في شمال شرقي البلاد، ثم مقارنته مع ما يملك الجيش السوري الآن من طائرات ودبابات عاملة، وتضخيم قدرات الأردن ما يعني تحريضه لاحتلال مساحات واسعة من سورية تحت ستار الحرب على داعش.‏

ث‌. وأخيراً كان الالتزام الواضح والإعلان الأردني الصريح بمواصلة الحرب ضد داعش حتى اجتثاثها والقضاء عليها كلياً، وهو التزام يعلم أصحابه انه غير قابل للتنفيذ ما لم يكن هناك عمل بري واسع النطاق تقوم به قوى محترفة وتطارد داعش في أماكن وجودها وسيرتها سواء في العراق أم سورية.‏

هذه المسائل وسواها المماثل لها توحي وكأن أميركا وبعد فشل خططها الثلاث، اعتمدت الخيار الأردني ليعوض الفشل، واعتقد أن أميركا أرادت من هذا الخيار واحد من امرين إما تقاسم الأرض في سورية بين الدولة و جيشها الشرعي من جهة و قوات التحالف عبر الجيش الأردني من جهة ثانية و هنا يتحقق ما كانت تطالب به أميركا من توازن استراتيجي يفتح الطريق إلى تسوية سياسية في سورية تحفظ لأميركا مواقعها، أو في حال الفشل يكون في الأمر فخ نصب للأردن يفتح الباب أمام خيارات أخرى تتعلق بالقضية الفلسطينية، وتكون على حساب الأردن، فهل أن هذا الأمر صحيح؟ وهل أن الأردن يتورط في هذا الشأن؟‏

إذا عدنا لمنطق القدرات العسكرية والمصالح الاستراتيجية نجد أن الأردن سيكون هو الخاسر الأكبر فيما لو ارتضى مثل هذه الوظيفة، خسارة مردها إلى سببين:‏

1) الأول تعقيدات الميدان السوري التي تمنع الأردن من تحقيق أهداف الخطة في فرضيتها الأولى وتعقيدات في العلاقات الدولية التي تمنع أي عمل بري في الأراضي السورية دون موافقة الحكومة السورية والتنسيق معها، وبطبيعة الحال فان من يضمر العدوان على سورية لن يقدم على التنسيق مع حكومتها ما يعني أن تجاوز التعقيدات امر ليس بمتناول اليد.‏

2) الثاني عائد إلى الوضع الداخلي الأردني الذي يبدو وكأن النار فيه تحت الرماد، مع وجود الخلايا النائمة التي ستجد فرصتها للانقضاض على الدولة في حال تورطت بعمل كبير خارج حدودها وأفرغت الداخل، وهو امر سيكون في حال حصوله مرجحاً للفرضية الثانية وسيشكل مدخلاً لأمر بالغ الخطورة على صعيد مستقبل الأردن ووجوده، ما يذكرنا بطروحات الوطن البديل، فهل هذا ما يريده المخطط الآن بعد سلسلة الإخفاقات المتلاحقة لخططه؟‏

أن الأردن إذا تورط سيكون أول الخسرين وأكبرهم كما خسر الإخوان وأزيحوا بعد فشل الخطة الأولى وكما دفع بندر السعودي ثمن فشل الخطة الثانية، وكما تتهيأ داعش للملاحقة والتحجيم عند الفراغ أميركياً من دورها بعد فشل الخطة الثالثة.‏

فسورية القوية بشعبها وجيشها وقيادتها وحلفائها قادرة على إفشال الخطة الجديدة كما أفشلت الخطط السابقة، أما الحل المنطقي والطبيعي الذي يحفظ الأردن ويجعله ينتقم لطياره من داعش، فيكمن في الإقلاع عن أي دور من الأدوار التي اضطلع فيها حتى الآن دعماً للإرهابيين ضد سورية، وأن يسارع للتنسيق مع سورية في الحرب التي تخوضها ضد الإرهاب وليتذكر أن الأمن الحقيقي هو الأمن الإقليمي الشامل الذي يكون الأمن الوطني جزءاً منه لا منفصلاً أو مستقلاً عنه.‏

بقلم: أمين حطيط