الشريط الإخباري

إيران.. يقين هنا وثقة هناك

لا يبدي الإيرانيون استعجالاً في قراءة نتائج المفاوضات, وإن بقيت حاضرة وبكثافة في دائرة اهتمامهم المباشرة, ولا يتسرعون في إطلاق أحكامهم ولا يتعاملون معها من زاوية الحتمية, وإن ظلّت على جدول يومياتهم المكتوبة وغير المكتوبة، حيث مقارباتهم على الأغلب تتجه نحو رؤية واضحة وثقة بما تحقق حتى اللحظة، وهو ما يمكن الاستدلال عليه من خلال الهدوء الذي يتعاطون به مع تطورات المفاوضات.‏

الأوضح من ذلك أنهم يتابعون الحدث بتفاصيله، ويبدون اهتماماً بمجرياته، لكن بعين يقظة ومتفحصة، فيما العين الأخرى تتابع فعاليات وتحضيرات الاحتفال بذكرى انتصار ثورتهم بعد أكثر من ستة وثلاثين عاماً، حيث ما يجري في جنيف لا يمكن أن يكون منفصلاً عمّا خططت له وعملت من أجله، لأن الحق الإيراني في الاستفادة من الطاقة النووية باتت تنتزعه علناً وشرعياً، وهو في نهاية المطاف يجسد تطلعات مشروعة عملت من أجلها الثورة. ‏

الفارق بين احتفالاتهم الماضية وهذا العام لا يخفونه، ولا يتحرجون من إشهاره، خصوصاً أن فيه أوراقاً إضافية تشكلت نتيجة عمل طويل وإدراك مسبق بأن الحق يحتاج إلى أوراق داعمة، تدفعه في نهاية المطاف إلى حيث تقف القدم الإيرانية على أرض صلبة، وإلى حيث يجلس الإيراني وجهاً لوجه مع الدول الكبرى في العالم، وقد أقرّت بحقوق الإيرانيين ولو كان من حيث المبدأ على الأقل.‏

في السياق ذاته، تأخذ المقاربات الإيرانية بعداً أكثر وضوحاً لناحية العمل دون الارتهان لنتائج ما ستؤول إليه المفاوضات، مسلحين بقول مرشد الثورة الإيرانية بأن عدم توقيع اتفاق أفضل من اتفاق سيئ، والأهم بالنسبة للغالبية العظمى من الإيرانيين أنّ تقدمهم العلمي والتقني يسير في طريقه الصحيح، ولا تكاد تمر أسابيع إلا ويُعلن عن خطوة جديدة قد حققتها إيران في المجال العلمي أو في تعزيز دفاعاتها، في وقت تتعاطى فيه إيران بإيجابية مع الأفكار التي من شأنها أن توصل إلى ما يكفل للإيرانيين حقوقهم السياسية والتقنية كاملة.‏

ما يسري في السياسة يبدو كذلك في المجريات الأخرى، حيث الإيرانيين يمارسون أدوارهم الداخلية والإقليمية والخارجية وفق معيار مصالحهم، التي تتقاطع مع مصالح شعوب المنطقة رغم المحاولات المحمومة من قبل إسرائيل وبعض أدواتها في المنطقة، التي ما فتئت تصرّ على التحريض والكذب والتهويل على ما يجري من مفاوضات وما قد تحمله من نتائج ومتغيرات في المنطقة وخارجها، وهذا ما يفسر إلى حد بعيد الهدوء الإيراني والتعامل مع الأحداث من منطوق أن المرحلة بإيجابياتها وسلبياتها وما تحمله الاحتمالات من متغيرات، قد تكون حاسمة تصب في نهاية المطاف وفق معايير العمل التي اشتقتها السياسة الإيرانية من تراكم التجارب التي حملتها العقود الماضية.‏

فالمحسوم بالنسبة لإيران أن لا تنازل عن حقوقها وفق ما تمليه الشرعية الدولية، وما تحدده مواثيق العمل الدولية ومحدداتها، وما عدا ذلك فهي تتعامل مع الاحتمالات بجاهزية عالية لا تخفيها الرغبة في إنجاز اتفاق ولكن أيضاً لا يغيب عنها رفض كل ما قد يمس حقوقها، وفي الحالين حددت إيران مسبقاً خياراتها، ولديها القدرة على التعاطي مع المسألة باحتمالاتها تلك، وفي نهاية المطاف لا تترك شيئاً للصدفة ولا تتعامل مع المجريات بمقاييس مسبقة، بقدر ما تحددها النتائج التي يدرك الإيرانيون أن الرهان الوحيد الناجح هو إرادتهم في تحديد ما هو مطلوب.‏

على هذه القاعدة أنجز الإيرانيون تحضيرات الاحتفال بذكرى انتصار ثورتهم، كما أنجزوا على الضفة المقابلة ما يمكن أن تمليه أي احتمالات بنجاح أو فشل المحادثات النووية، وما تعنيه في الاتجاهين حيث ما يدور في جنيف أو غيرها لا يُعّدل لائحة اهتماماتهم وإن بدّل في تراتبية الأولويات لبعض الوقت، حيث ما يصلح طوال العقود الماضية لمواجهة التحديات يصلح لما قد يستجد منها سواء اتخذت الطابع الإيجابي أم خضعت مرة أخرى للتأجيل، وهذه ورقة قوة لا يمكن أن تخطئها العين، ولا يمكن أن تتوه عنها بوصلة الإيرانيين، الذين يواصلون وتيرة عملهم بعزيمة واضحة وبثقة أكثر، وربما بتصميم أكبر من أي وقت مضى.‏

ما تستطيع اليوم أن تجزم به المعطيات المتوافرة، أن الطريق الذي خطته تجربة امتدت كل هذه العقود، نقلت إيران إلى حيث تستحق أن تكون، على الأقل في الخيارات السياسية التي اختطتها وفي المعايير التي فرضتها لتكون قواعد عمل في التعاطي مع ملفها النووي، حيث الأرضية العملياتية لكثير مما طرحته إيران لا يمكن تجاوزه من قبل أي طرف في العالم، وهذا ما تؤشر عليه حالة الترقب غير المعلن والاهتمام غير المخفي في كثير من أروقة السياسة العالمية، فيما إيران تحتفل بذكرى انتصارها بكثير من اليقين، وتتطلع بثقة لتسجل انتصاراً سياسياً سيطبع المرحلة المقبلة للمنطقة والعالم بالكثير من سماته وما ينتج عنه.‏

بقلم: علي قاسم