ما لا يعجب أمريكا

أعاد دي ميستورا التأكيد، أمام مجلس الأمن، أول أمس، على أن الحكومة السورية جزء من الحل، في رد غير مباشر على واشنطن وباريس اللتين لم يعجبهما تصريحه السابق أن الرئيس الأسد جزء من الحل في سورية، بعد أن أصبحت السياسة عندهما، وعند حلفاء أمريكا وخدّامها الدوليين والإقليميين، فنّ إنكار ما لا يُعجِب، حتى لو كان حقيقةً ساطعة كنور الشمس.

المبعوث الأممي الذي تعلّم الدرس من فشل سابقيه أنان والابراهيمي، فضّل الاعتراف بالواقع وقول الحقيقة، لأنه يدرك أن مهمته ستصبح عبثية وتفشل ما لم يتحل بالحد الأدنى من الموضوعية في القيام بها. أما أعداء سورية فمستمرون في ممارسة الانحطاط الأخلاقي الذي يجرّد السياسة من كل أساس موضوعي، ويحوّلها إلى ممارسة تكتيكية لا أخلاقية حافلة بالتناقضات، وبأقذر أنواع الكذب وتزييف الحقائق، وإلّا فأي تفكير استراتيجي سليم ومنسجم يُمْكِنه تقسيم الإرهاب إلى متطرف ينبغي محاربته، ومعتدل ينبغي دعمه، ويجمع بين قتال «داعش» من جهة، وتدريب«المعارضة المسلحة المعتدلة» وتلميع صورة «النصرة» من جهة أخرى في آن واحد!.

منذ أيام قال بريجنسكي مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق: إنه لا يفهم تماماً لماذا على واشنطن أن تساعد أو حتى تتبنى فكرة إسقاط الدولة السورية، وقال أيضاً: إن ماحدث خلال العامين الماضيين هو ثبوت حقيقة أن الرئيس الأسد، وسواءً أعجبنا هذا الأمر أم لا، لديه دعم كبير في المجتمع السوري. هنا مربض الفرس، فالسياسة تفقد كل معقولية عندما تقوم على مايُعجب أو لا يُعجب، ويتعذر حينئذ على واحد من ألمع الاستراتيجيين الأمريكيين المعاصرين فهمها تماماً…

بالنسبة لنا ليس في الأمر أي لغز. فالسياسة الأمريكية العدوانية هذه هي ترجمة عملية لما أعلنه الكيان الصهيوني مراراً وتكراراً أنه لا يخشى المجموعات الإرهابية بما فيها «داعش»، وأن عدوّه هو الدولة السورية والرئيس الأسد خصوصاً. وقد أصبح مؤكداً الآن أن الإرهاب التكفيري، بمختلف تنظيماته وتسمياته، ليس أبعد مايكون عن تهديد الكيان الصهيوني فحسب، بل هو خير أداة تخدم أهدافه وتعوّضه عن هزائمه النكراء التي مُني بها على يد المقاومة، وأن الإدارة الأمريكية، لهذا السبب، غير جادة في محاربة الإرهاب مهما حاولت إقناعنا بالعكس من خلال تحالفها المزعوم الذي أنشأته لمحاربة «داعش»، والدليل أنها كانت تستطيع خنق الإرهاب بمجرد تنفيذ قرارات مجلس الأمن الخاصة بتجفيف منابع دعمه وتمويله وآخرها القرار 2199، لكنها لم تفعل ولن تفعل طالما استمر الإرهاب في القيام بوظيفته الصهيونية المرسومة، على خير الوجوه.

إن الحرب الحقيقية ضد الإرهاب هي التي يخوضها اليوم محور المقاومة وفي مقدمته سورية. ولن يطول الأمر، كما تؤكد التطورات الميدانية في سورية والعراق، حتى يتمكن هذا المحور الذي استطاع مواجهة الكيان الصهيوني، من إلحاق الهزيمة الساحقة بأدواته الإرهابية التكفيرية، رغم أنف الإدارة الأمريكية المتصهينة.

محمد كنايسي

انظر ايضاً

الجولان في القلب بقلم: طلال ياسر الزعبي 

بعد مرور واحد وأربعين عاماً على قراره ضمّ الجولان العربي السوري، هل استطاع الكيان الصهيوني …