(من ذكريات الأيام المواضي ورؤى التغيير).. توثيق يختزل عقداً من العمل الثقافي للدكتورة نجاح العطار

دمشق-سانا

للمذكرات الشخصية أهمية خاصة في التأريخ والتوثيق للأمم والشعوب ونضالاتها وإنجازاتها فكيف إذا كانت هذه المذكرات عبارة عن رسائل موجهة للقائد المؤسس حافظ الأسد حول إدارة أحد أكثر الملفات تأثيراً في زمننا وهو الملف الثقافي في مرحلة شهدت محطات وأحداثاً مفصلية من تاريخ سورية الحديث.

الدكتورة نجاح العطار وعبر كتابها الأحدث “من ذكريات الأيام المواضي ورؤى التغيير” تنقل لقارئ اليوم مئات الرسائل للقائد المؤسس والتي تجاوز عمر بعضها ثلاثة عقود حيث تكشف الأهمية الكبرى التي حظي بها القطاع الثقافي عند القائد الأسد ومدى متابعته لأدق تفاصيله.

واحتوى الكتاب بين دفتيه أكثر من 155 رسالة وجهتها الدكتورة العطار للقائد المؤسس بين عامي 1988 و1999 حيث توضح في مقدمة الكتاب أنها سعت من خلالها إلى طلب توجيهاته بطريقة إدارة الملف الثقافي بمختلف مناحيه والتي عكست بدقة وحرفية عالية النهضة البالغة الروعة للقطاع الثقافي في عهد القائد المؤسس والنقلة المدهشة حين تسارعت الخطأ على درب التنوير لتشكل أمثولة رائعة للتقدم النهضوي الباهر.

ويحظى نشر الرسائل في هذه المرحلة بأهمية مضاعفة وفقاً للدكتورة العطار حيث واجهت سورية ولا تزال تواجه عدواناً شاملاً غير مسبوق وربما يكون الجانب الثقافي في مقدمة المناحي المستهدفة لجهة محاولة تشويه الإرث الحضاري والمعرفي والجهود السورية المبذولة للارتقاء بسوية العمل الثقافي.

وبلغة جزلة ومعبرة عن توجيهات القائد المؤسس تقول الدكتورة العطار في مقدمة كتابها كنت على صلة منذ كنت وزيرة للثقافة بالرئيس الراحل الكبير غير أنني كنت أسمع وأنصت وأشهد أن مرحلته كانت متألقة من العمل الموصول للارتقاء.. ازدهرت فيها سورية وخطت خطوات مذهلة في كل ميادين الحياة وحققت تقدماً فريداً لا يمكن أن يتصوره إلا الذين عرفوا كيف كانت الأمور من قبل.

وكان القائد المؤسس كما تؤكد العطار يضيف أفكاراً مهمة إلى الرسائل وبفضله وبدعمه تمكنت وزارة الثقافة من تحقيق كل ما أمكن لها من غنى وتقدم وشمولية في العمل حتى صارت آنذاك رافدا حقيقيا للشأن الثقافي وحققت حضوراً عربياً اعتبرت معه الأولى في الوطن العربي.

مضامين الرسائل حملت صفة التنوع والعمق فشملت الجانب المحلي البحت والجوانب المحلية الثقافية المرتبطة بالخارج عربياً ودولياً ومشاريع ثقافية ذات أهمية حيث راعت الدكتورة العطار في تبويب الرسائل الجانب الزمني.

ولم تخرج العطار عن هذا التسلسل إلا برسالة واحدة نظراً لأهميتها حيث كانت تدور حول كتاب صدر في تسعينيات القرن الماضي عن الصراع مع كيان الاحتلال الصهيوني فبينت فيها أن الكتاب يكشف فحوى لقاءات سرية جمعت مسؤولين عرباً بزعماء صهاينة وما تعرضت له القضية الفلسطينية من خيانات ومؤامرات والدعم البريطاني ثم الأمريكي لكيان الاحتلال وأضافت بقولها في الرسالة الكتاب يحوي مجموعة مهمة من الوثائق التي تشكل مرآة لتاريخ حملناه منذ أن كنا أطفالاً في قلوبنا الصغيرة هماً وغضباً وأحزاناً كانت تدفع بنا إلى الشوارع متظاهرين.

حرص العطار على التبويب الزمني للرسائل أعطى الكتاب انسيابية وتراكماً فكرياً متتالياً لتقديم شرح كامل حول عملية البناء الثقافي التي كانت تشهدها سورية في تلك الحقبة فتناول العديد من هذه الرسائل تعزيز البنى التحتية للمؤسسات الثقافية من قبيل إتمام مشروع المجمع المسرحي والجزء الخاص بالمعاهد في مشروع المسرح القومي وإنشاء متحف للفن الحديث وتأسيس الفرقة الوطنية السيمفونية السورية وترميم الجامع الأموي.

وفي رسالة لها مؤرخة في 2 آذار من عام 1999 تتحدث الدكتورة العطار عن إنجاز قانون إحداث الهيئة العامة لدار الأوبرا والمجمع المسرحي حيث اقترحت باقة من الأسماء لإطلاقها على هذا الصرح مؤكدة أن افتتاح هذا الصرح سيكون حدثاً ثقافياً مهما في تاريخ سورية المعاصر وصفحة مشرقة إضافية من الصفحات البيض الغر لرئيسنا الكبير.

وشكلت قضية حماية الآثار والمقتنيات التاريخية جزءاً لا يستهان به من الرسائل المنشورة في الكتاب ولا سيما ملف إعادة الآثار السورية التي تمت سرقتها وتهريبها إلى خارج الحدود واستعراض الفوائد المتحققة من إقامة معارض أثرية للترويج لحضارتنا في فرنسا وإيطاليا واليابان وغيرها من الدول وتكريم علماء وباحثين أجانب أسهموا في التنقيب والكشف عن كنوزنا الأثرية.

وتقول العطار في هذا السياق ضمن إحدى رسائلها المؤرخة في الـ26 من تموز 1995 إن موضوع الآثار والتراث جزء مهم في استراتيجيتنا الثقافية وهو يستدعي اهتماماً يومياً ومتابعة دؤوبة ونظرة موضوعية علمية لا تخلط ببن الأمور ولا تسمح بأي انتهاك أو اعتداء أو شطط مهما كان مصدره وذلك هو التوجه الذي أكد عليه السيد الرئيس في كل المناسبات والذي مكن العاملين في هذا المجال من الاستقواء بمنطق العلم الذي يحميه وصدق الانتماء الذي هو المعطى الأساسي في عملنا القومي.

وكان للعلاقات الثقافية مع دول العالم المختلفة وسبل تعزيزها لما فيه مصلحة وطننا جزء مهم من رسائل الكتاب الموجهة للقائد المؤسس والتي حرصت من خلالها العطار على طلب توجيهاته في إقامة مختلف الأنشطة والمناسبات والندوات والمؤتمرات داخل سورية وخارجها بهذا المجال.

وفي رسالة مؤرخة في 2 آذار من عام 1997 تتحدث الدكتورة العطار عن مشاركتها في مؤتمر وزراء الثقافة العرب الذي عقد في تونس وخصص للبحث في العلاقة بين الثقافة والتنمية مؤكدة أن الدور الثقافي السوري كان الأكثر تميزاً في المؤتمر باعتراف الجميع ولكن الأهم برأيها إجماع من كان حاضراً من صحفيين ووفود من مختلف بلدان العالم على أن السيد الرئيس حافظ الأسد هو القائد العربي الذي يؤمنون به وبمواقفه ويرون فيه الزعيم العربي الكبير.

وحول إقامة مؤتمر في العاصمة اليابانية طوكيو بعنوان “متحف جديد لأقدم مدينة في العالم دمشق” قدمت الدكتورة العطار رسالة بتاريخ 21 تشرين الأول من عام 1997 معتبرة أن هذا المتحف حلم حضاري بالنسبة إلينا للتعريف بسورية الحضارة بقيادة رئيسها الأسد على نطاق واسع جداً.

ويظهر من هذه الرسائل حرص القائد المؤسس على تكريم مبدعين سوريين وعرب عبر الاهتمام بأوضاعهم وتقديم أقصى درجات الدعم لهم كالإشراف الكامل على الوضع الصحي للأديب الراحل سعد الله ونوس والشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري ومنح أرفع الأوسمة لقامات إبداعية مثل النحات سعيد مخلوف والموسيقار صلحي الوادي.

وتؤكد العطار في كتابها على استمرار مشروع النهضة الثقافية في سورية في عهد السيد الرئيس بشار الأسد رغم ما يطالها من عدوان وتقول الآن يرفع الراية الرئيس البشار بفيض من الإيمان الراسخ بالرسالة التي يحمل.. أداء لأمانة الوطن وبأرفع الأساليب وأكثرها شجاعة وحمية وحرصاً ووثوقاً منه ومنا بما يرسم من خطط في هذه الظروف الدقيقة مختصراً كل تطلعات شعبنا وأمتنا.

بقي أن نشير إلى أن الكتاب من إصدارات وزارة الثقافة منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب ويقع في 584 صفحة من القطع الكبير.

شذى حمود

انظر ايضاً

الرئيس الأسد يمنح وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة لعالم الآثار الإيطالي باولو ماتييه مكتشف إيبلا

دمشق-سانا قلدت الدكتورة نجاح العطار نائب رئيس الجمهورية العربية السورية عالم الآثار الدكتور باولو ماتييه …