تسييس المنظمات الدولية.. إلى متى؟، بقلم: عبد الرحيم أحمد

تعودنا في منطقتنا العربية وخصوصاً في سورية على انحياز المنظمات الدولية وخضوعها لإملاءات وهيمنة الدول الغربية وتسييس عملها منذ عقود، لدرجة بتنا نعلم بشكل مسبق نتيجة عمل أي لجنة دولية، أو أي اجتماع لمجلس الأمن، أو لمجلس حقوق الإنسان فيما يتعلق بالقضايا العربية، وحتى قضايا تتعلق بدول مثل الصين وإيران وفنزويلا وغيرها من الدول التي تناهض السياسات الغربية.

مما لا شك فيه أن المنظمات الدولية بشكلها الراهن، لم تستطع أن تحقق شعار الأمم المتحدة في الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين ومنع الحروب والحفاظ على سيادة الدول بدليل أن الولايات المتحدة شنت نحو 90 حرباً على دول ذات سيادة دون أن تتحرك منظمات الأمم المتحدة أو مجلس أمنها لوقف هذه الحروب العدوانية أو إصدار قرار إدانة أو تجريم لها، وبقيت المنظمات الدولية السياسية يتفرج، والإنسانية منها تقدم فتات المساعدات لشعوب أُبيد الملايين منها.

في وضعنا العربي يشكل دور الأمم المتحدة وصمة عار لا يمكن محوها، بدءاً من موقفها المتلون والمتبدل من قضية احتلال الصهاينة لدولة فلسطين وتشريد شعبها، وتغيير الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها المتخذ عام 1975 والذي يعتبر الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية وصولاً إلى مواقف المنظمة ومجلس أمنها من الحروب التي شنتها الولايات المتحدة ضد الدول العربية من الصومال إلى ليبيا ولبنان والعراق وسورية.

يعاني السوريون منذ أحد عشر عاماً من تحيز وتسييس عمل المنظمات الدولية، فرغم الحرب الإرهابية التي شنت عليهم بدعم من الدول الغربية، لا يجد السوريون من الأمم المتحدة ومنظماتها سوى القلق في أحسن الأحوال، والإدانة لحكومتهم من دون أي وجهة حق، فالأمم المتحدة تقلق على أحوال السوريين المعيشية، وهي تنظر إلى أبشع حصار تفرضه واشنطن عليهم وهي تراقب الاحتلال أميركي يسرق قمحهم ونفطهم، دون أي تحرك لوقف ذلك.

خضوع المنظمات الدولية للغرب الاستعماري يتضح يوماً بعد يوم، فالدول الغربية أكثر من داس القانون الدولي وأكثر من انتهك سيادة الدول وحقوق الإنسان وشن الحروب في العالم، وسط صمت المنظمات الدولية، ومن هنا فإن تصرف تلك المنظمات حيال العملية الروسية وقضية البرامج البيولوجية الأميركية السرية في أوكرانيا، ينزع آخر جزء من ورقة التوت التي تغطي عورة تلك المنظمات.. فقد تنصلت الأمم المتحدة من دورها، وأعلنت بكل بساطة عدم امتلاكها تقنيات للتحقق من وجود برامج بيولوجية أميركية في أوكرانيا، وذلك بعد أيام من تصرف مبهم من منظمة الصحة العالمية التي طلبت من السلطات الأوكرانية تدمير “الجراثيم الخطيرة جداً المسببة للمرض” في مختبراتها لتجنب تعريض السكان للخطر، دون أن تحرك ساكناً لكشف تلك المختبرات أو العناصر المسببة للأمراض.

هذا الموقف من الأمم المتحدة يذكرنا كيف تصرفت عندما اتهمت واشنطن الصين في عام 2020 بأنها مصدر فيروس كورونا وطالبت منظمة الصحة العالمية التحرك للتحقيق في الأمر، يومها تحركت المنظمة بسرعة نوعية وكان لديها الإمكانيات التقنية والفنية وكل ما يحتاجه الأمر، أما اليوم فالمنظمة تتنصل من مسؤولياتها وتكبّل يديها لأن الأمر يتعلق بإدانة واشنطن.

لقد بات الأمر ملحّاً لإعادة النظر بجميع المنظمات الدولية وعضويتها وآلية عملها وتوزعها الجغرافي، فمن غير المقبول أن يبقى مقر تلك المنظمات حصراً في الولايات المتحدة وأوروبا لاسيما مع محاولة هذه الدول السيطرة عليها واستغلالها ضد الدول الأخرى. فلماذا لا تكون مقرات بعض المنظمات في آسيا.. كالصين وفي موسكو وفي أفريقيا؟.

ينبغي أن يتسم عمل منظمات الأمم المتحدة بالحيادية والموضوعية في جميع القضايا التي تطرح أو تثار أمامها وأن تتعامل معها بموجب القانون الدولي وبموجب ميثاق الأمم المتحدة وليس بموجب مصالح وقرارات لندن وواشنطن، وأن تتصرف تلك المنظمات بمسؤولية وأن تلتزم بنهج الحوار والتعاون البناء لاستعادة دورها ومصداقيتها بعيداً عن الانتقائية والمعايير المزدوجة.

انظر ايضاً

نقل الحرب إلى داخل روسيا لمصلحة من؟… بقلم: عبد الرحيم أحمد

لم تكن المحاولة الأوكرانية استهداف مبنى الكرملين بطائرات مسيرة مطلع شهر أيار الجاري محاولة جديّة