الشريط الإخباري

أبناء الميدان.. صنّاع التاريخ والمستقبل- بقلم: عبد الرحيم أحمد

هي الوجه الآخر للإرادة والصمود أو ربما الوجه الآخر للأمل والعمل، إنها حلب التي صمدت وصبرت على الحصار والموت ونهضت من بين ركام الحرب تعطي دروساً في الأصالة والعراقة والمهارة في تطويع التاريخ وإعادة كتابته بأحرف عربية سورية، تنسج مستقبلها بمهارة صناعييها وعزيمة بنائيها ومزارعيها.

راهن محور العدوان ضد سورية على مسح هوية حلب التي تختزل وتختزن سبعة آلاف عام من التاريخ والحضارة، وخصص لهذه المهمة آلاف المرتزقة والإرهابيين بقيادة المجرم أردوغان الذي تعهد بسرقة تاريخ المدينة وصناعتها ونقلها إلى تركيا.

لكن أبناء حلب ورجالها ونساءها مع وحدات من جيشهم المقدام، وقفوا حراساً على أبواب المدينة وقلعتها الصامدة, ورغم أن حصار الإرهابيين للمدينة كاد أن يطبق عليها ويقطع عنها شرايين الحياة على مدى 4 سنوات(2012- 2016)، انتصرت إرادة أهلها الذين رفضوا الخضوع ودافعوا عن مدينتهم ومسحوا ظلام الإرهاب ورائحة الدماء والبارود وتكلل النصر برائحة الغار.

قد يكون أهل حلب الأقدر على التعبير عن سنواتهم العجاف وعن مسار الانتصار، فهي بالنسبة لهم ولجميع السوريين، سنوات من الصبر والإرادة في مواجهة الموت والجوع والقهر، سنوات من أزيز الرصاص وفحيح المفخخات وقذائف الحقد والموت التي صبّتها قوى الإرهاب على المدينة التي ظلت شامخة وإن تهدمت أبنيتها وحاراتها وأسواقها القديمة.

لكن خمسة أيام عشتها في المدينة بعد عامين من التحرير(2018) أعطتني درساً في الإرادة والقوة والعزيمة، فبقدر الوجع الذي أحسسته وأنا أسير في أحيائها المهدمة وقرب بيوتها المتهاوية اجتاحتني نسمات الأمل وأنا أرى على يساري دماراً وخراباً وعلى يميني محال تجارية تضج بالحياة، مضاءة ببسمة أصحابها وبعزيمتهم على العمل ولهفتهم لاستقبال ضيوف مدينتهم، ويحق للسوريين جميعاً أن يكتبوا بفخر عن حلب، مثال المدن السورية المتجذرة في التاريخ والأرض، التي لا تُقتلع ولا تموت.

ما تشهده حلب اليوم من إعادة إعمار هو إعادة ترميم للتاريخ والحضارة التي حاول الإرهاب تشويهها، فمسجدها الأموي ليس مجرد جامع للصلاة والتعبد، إنه رمز من تاريخ المدنية، وكنائسها مثالٌ للتعدد والتنوع والغنى السوري، وأسواقها القديمة رحلة في ذاكرة هذا التاريخ الذي صنعه السوريون بعرقهم وتعبهم وتناقلوه جيلاً بعد جيل على مدى آلاف الأعوام.

حلب اليوم ليست كما حلب عام 2016، فرغم حجم الدمار الذي حلّ بالمدينة ومنشآتها وكل مصادر الحياة فيها، هي اليوم خلية نحل من العمل والإنتاج وإعادة إعمار قطاعات الحياة وشرايين الاقتصاد، بدأت بالمدارس والمراكز الصحية والمشافي وشبكات المياه والكهرباء والهاتف ومدنها الصناعية وسهولها الزراعية ومطارها وقطاراتها، واليوم محطتها الحرارية.

يأخذ علينا البعض الحديث بعاطفة عن حلب وعن وطننا وشعبنا الصامد الصابر، ويعتب علينا آخرون تمجيد بطولة هذا الشعب وهذا الجيش في وقت ما زال السوريون يتوجعون في لقمة عيشهم ويشدون الحزام على الجوع، وفي وقت مازال الإرهاب يتربص على صدر إدلب، وفي جزيرتنا الخضراء ميليشيا تنكأ جراح السوريين وتشارك في حصارهم، لكننا نعلم أن السبيل للانتصار على الإرهاب وعلى هذا الجوع والحصار لن يكون إلا بالعمل والإنتاج وتكريس هذا المبدأ الذي تمثله حلب.

حلب كما سورية عصية على الموت، مرصودة للحياة والحب الذي يصدح في جنبات قلعتها بقدودها الحلبية، وصناعتها وطعامها وإرادة أبنائها، عظيمة بكل ما فيها من تاريخ وحضارة وإبداع وصمود وإعادة بناء، تقود معركة البناء التي ستشع على أرجاء الوطن خيراً وتنعكس انتصاراً للإنسان السوري .. ابن الميدان صانع التاريخ والمستقبل الذي نشر النور إلى العالم ولا يزال.

متابعة أخبار سانا على تلغرام https://t.me/SyrianArabNewsAgency

انظر ايضاً

نقل الحرب إلى داخل روسيا لمصلحة من؟… بقلم: عبد الرحيم أحمد

لم تكن المحاولة الأوكرانية استهداف مبنى الكرملين بطائرات مسيرة مطلع شهر أيار الجاري محاولة جديّة