الشريط الإخباري

قصة صاحب عبارة “يانايم قوم عسحورك” -فيديو

محافظات-سانا

رغم دخول التقنيات الحديثة إلى كل منزل والتغيير في العادات الاجتماعية إلا أن المسحراتي لم يغب عن كثير من الحارات السورية، كونه يعد جزءاً من تقاليد وأجواء إحياء شهر رمضان المبارك بروحانيته لدى الصائمين، واعتيادهم على سماع صوته مع إيقاع طبلته المحفور في الذاكرة.

وفي حديث لمراسلة سانا أوضح الباحث في التراث الحموي المهندس مجد حجازي أن المسحراتي طقس معروف في أيام الشهر الفضيل، حيث يستيقظ النائمون على صوته العذب ليبدؤوا بالتحضير لوجبة السحور، مبيناً أن الصائمين كانوا بحاجة إلى المسحر بسبب عدم وجود وسيلة لإيقاظهم وقت السحور، ولكن هذه العادة تطورت إلى استعمال الطبلة والعصا.

ويصنف الباحث حجازي المسحراتي بأنه حالة تراثية تشكل أحد ملامح شهر رمضان، وغلب وجودها في المدن أكثر من الريف، حيث رافقت ظهور الإسلام وما زالت راسخة إلى اليوم، مبينا أنه كان سابقاً لكل حي مسحراتي معروف من قبل الأهالي، وفي نهاية الشهر الفضيل يخصص مبلغ مالي من كل بيت لإعطائه له، ورغم كل التطور الموجود إلا أنه لا يزال يقوم بمهمته في الأحياء القديمة في المدن.

ويحرص المسحراتي بسام الضامن الذي يقوم بهذه المهمة منذ أربعين عاماً على التمسك بالتقاليد الموروثة، فهو ينشد أجمل الأغاني عن الشهر المبارك لإيقاظ كل عائلة في حي الطوافرة بحماة، فمهمته تبدأ قبل موعد آذان الفجر بساعتين تقريباً ويحمل طبلة صغيرة مردداً العبارات المألوفة “يانايم وحد الدايم، يانايم وحد الله، يانايم قوم لسحورك” وغيرها، لافتاً إلى أنه أحياناً يستوقفه بعض السكان ويمنحونه بعض النقود كنوع من التقدير لعمله.

في حين أوضح الشاب عبد الرحمن نجار من سكان الحي أن إيقاعات الطبول والعبارات التي يرددها المسحر تجعله يشعر بالسعادة وببركة الشهر المبارك، وخاصة في العشر الأواخر منه، ومع اقتراب نهاية شهر رمضان تتغير نبرة الصوت إلى عبارات وداع للشهر الكريم.

فيما قال موفق حلبية: إن صوت المسحراتي وأغانيه يجلب الفرح والحنين إلى الماضي الجميل، معتبراً أنها تعد واحدة من الموروثات الشعبية التي تحمل الكثير من المعاني والقيم.

وفي أحياء مدينة سلمية بريف حماة الشرقي، لا يزال صوت المسحراتي علاء البرازي الملقب بأبو شهاب، وهو يرتدي زياً فلكلورياً يصدح مع سحر كل ليلة في شهر رمضان المبارك على وقع الطبلة لإيقاظ الناس على السحور، مردداً كلمات وداعية بنبرة عالية ومميزة تلقى استحسانهم وهو يطرق أبواب بيوتهم، حاملاً معه فانوس رمضان ووعاء لمن يرغب منهم بسكب وجبة السحور له.

وفي لقاء مع مراسل سانا يقول المسحراتي أبو شهاب: “اعتدت على القيام بهذه المهمة التي ورثتها عن أبي والمحببة لدي منذ زمن طويل، لإيقاظ الناس على السحور”، مبيناً أن جولته تبدأ منذ الساعة الثانية ليلاً، وتنتهي مع قرب آذان الفجر والإمساك عن الطعام، يجوب خلالها شوارع وأزقة المدينة لإيقاظ الناس.

أيضاً المسحراتي حاضر في أجواء رمضان بدرعا حيث يعطي لمسة خاصة للشهر المبارك، فقد كان وما زال الشخصية التي ينتظر ظهورها مع حلول الشهر الكريم، بالرغم من تقدم التكنولوجيا ووسائل الاتصال التي قلصت اعتماد الناس على مهنة المسحراتي كأحد المظاهر الرمضانية التي يحبها سكان مدينة درعا عامة، وسكان بلدة المزيريب خاصة.

وقبل وقت من موعد السحور تنطلق الأدعية والتواشيح من حناجر عدد من المسحراتية الموزعين على حارات البلدة وأحيائها، آخذين على عاتقهم إيقاظ الناس من نومهم لذكر الله وتناول وجبة السحور.

ورغم توقف عبد الكريم السيدي عن عمله كمسحراتي للبلدة كون صحته لم تعد تسعفه للقيام بهذا الدور، إلا أن حنينه لتلك الأجواء الرمضانية لا يزال يعيش بداخله، حيث تحدث كيف كان يجوب أرجاء البلدة قاطعا حاراتها وزواريبها الضيقة، مستعيناً بطبلته الكبيرة ويردد كلمات تحث الناس على ذكر الله، والاستيقاظ من النوم وسط أجواء من الحماس.

ويتابع: “كنت أنادي باسم الحارة ثم على كبار السن ثم الأطفال وهكذا حتى يطلون من الشبابيك أو يلمح إضاءة المنازل التي تعني أنهم استيقظوا”، لافتاً إلى أنه كان يقوم بذلك طوعاً وحباً لمرضاة الله ولنيل الأجر والثواب في هذا الشهر الكريم، وبالمقابل كان أهل الخير يجودون عليه ويقدمون له العيدية صباح عيد الفطر المبارك.

محمد حرفوش أبو أحمد أحد سكان بلدة المزيريب رأى أن المسحراتي أحد أهم العادات والتقاليد المرتبطة بشهر الخير والبركة ومقابلة الناس له بالاهتمام والرعاية، فمنهم من يقدم له الماء والتمر وآخر يعطيه بعض المال، في صورة تلخص العادات الاجتماعية الترابطية والحميمية بين الناس.

أما سهام العبد الله معلمة مدرسة في إحدى مدارس المزيريب قالت: إن المسحراتي هو روح رمضان، يذكرنا بالفرح والخير والبهجة حينما يجوب صوته الشوارع طيلة أيام الشهر الكريم.

المسحراتي مهنة تراثية افتقدتها الحارات الحمصية مع تقدم التكنولوجيا غير أن عباراته “يا صايم وحد الدايم.. قوموا على سحوركم.. إجا رمضان يزوركم” “يانايم وحد مولاك.. يلي خلقك مابينساك ” وقرع طبلته لا يزال يذكر في حكايات الأجداد للأحفاد.

الباحث عدنان السلقيني عضو الجمعية التاريخية في حمص ومن أهالي حمص القديمة أشار إلى أن المسحراتي مهنة قديمة وأول من عمل بها عنبسة بن اسحق عام 228 هجري، واشتهرت خلال العهد الفاطمي الذين أولوا تفاصيل الشهر الفضيل اهتماماً خاصاً من إضاءة المساجد والفوانيس والمسحراتي وزينة رمضان.

ويستذكر السلقيني مرور المسحر على المنازل في الأحياء الشعبية قبل موعد صلاة الفجر بلباسه العربي وطبلته المصنوعة من النحاس أوالفخار، مشدوداً على وجهيها جلد ماعز ونقارته الجلدية وأناشيده الرمضانية، ينادي على ‏الأهالي بأسمائهم لإيقاظهم على السحور قبل أن تحل ساعة الإمساك ليتناولوا الطعام ما يعينهم على الصيام خلال النهار، لافتاً إلى أن كل حارة لها مسحراتي خاص بها، معروف من أهاليها طيب السمعة وذو ثقة ويمتلك صوتاً قوياً شجياً، يجيد الإنشاد وأشعار التسحير.

وأضاف السلقيني: إنه جرت العادة أن يحمل المسحراتي سلة واسعة من القصب تسمى “قرطل”، تحتوي قدوراً نحاسية يضع فيها بعض الأطعمة التي يزوده بها الأهالي أثناء مروره.

وبين السلقيني أن مهنة المسحراتي غابت تدريجياً حتى اختفت في حمص منذ ما يقارب 20 عاماً، إضافة إلى بعض الطقوس الرمضانية الأخرى كالحكواتي، حيث بات الناس يعتمدون على التكنولوجيا عبر تطبيقات هواتفهم لمعرفة مواقيت الإمساك والإفطار.

متابعة أخبار سانا على تلغرام https://t.me/SyrianArabNewsAgency