“العلامات الفارقة في كشف الدول المارقة”-صحيفة البعث

للدول المارقة، في عالمنا المعاصر، دلائل وعلامات لا تخفى على عين اللبيب، وإذا كان المفكر الأمريكي “نعوم تشومسكي” قد استفاض في كشف وفضح هذه الدلائل والعلامات، وطبّقها على أمريكا، ليكشف أنها الدولة المارقة الأولى، فإن الاستعانة بأدبيات ومعايير “تشومسكي”، وإسقاطها على الساحة في منطقتنا يظهر الكثير.

يقدّم “تشومسكي” صفتين متلازمتين للدولة المارقة، وهما: “إساءة استخدام القوة والإفلاس الديمقراطي”، فهي، أي الدولة المارقة، دولة تعتقد “أن لها الحق في التدخل عسكرياً حيثما تشاء”، لأنها “فوق القوانين الوطنية أو الدولية”، لذلك هي “تعفي نفسها ذاتياً من التقيّد بالعديد من البنود الأساسية التي يتمحوّر حولها القانون الدولي، وخاصة فيما يتعلق بميثاق منظمة الأمم المتحدة واتفاقيات جنيف”، ثم إنها دولة “تعتبر مجتمعاتها، ومواطنيها، بمثابة ملكية خاصة تتصرف بها كما تشاء ومتى تشاء، وبالتالي تشكل خطراً متعاظماً على شعبها نفسه وعلى العالم كله أيضاً”. وبإسقاط ذلك على سلوك الدول في منطقتنا، نرى أنه بجانب الكيان الصهيوني، الذي لا يحتاج “مروقه” لبيان أو توضيح، فإن مملكة “آل سعود”، وسلطنة “أردوغان” العثمانية، يمكن لهما أن يعبرا أمثل تعبير عن الدولة المارقة في المنطقة، من حيث إساءتهما لاستخدام القوة، وإفلاسهما الديمقراطي، فالطموح السلطاني المتعاظم لأردوغان، جعل من بلاده جنة للإرهابيين في العالم، مروراً وإقامة وتسهيلات لوجستية ومالية، وأكبر سجن للصحفيين في الآن ذاته، ضارباً عرض الحائط بكل القرارات الدولية الصادرة بهذين الشأنين معاً، كما أن “الاندفاع بلا رؤية”، كما وصفه محمد حسنين هيكل، للجيل الجديد من آل سعود في العدوان العسكري على اليمن هو “خطيئة تاريخية” كبرى تمّت تحت غطاء “تحالف” مذهبي الطابع لم يحظ، حتى الآن، سوى بتغطية “المارقين”، لكنه بقي خارج إطار الشرعية الدولية المتمثلة بالأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي.

أما في مجال “الإفلاس الديمقراطي”، فحدث ولا حرج، ففيما يسعى “أردوغان” إلى تأبيد حكمه عبر دستور جديد يمنحه رسمياً صلاحيات السلطان المطلقة الكاملة، فإن مملكة “آل سعود”، هي الدولة الوحيدة في العالم التي تَسمُ الشعب والأرض باسم العائلة المالكة رسمياً وفعلياً لا نظرياً فقط، أما الحديث عن الحقوق والحريات السياسية والاجتماعية، كحقوق المرأة، وحرية تشكيل الأحزاب وغيرها، فتلك محرمات لا يجوز حتى التلفظ بها.

بيد أن “المروق” لا يتوقف على دول المنطقة وساستها، فوجود “ستة آلاف أوروبي يقاتلون في سورية”، كما كشفت المفوضة الأوروبية للعدل “فيرا جوروفا”، يدل دلالة قاطعة على “السياسة المارقة” لبعض ساسة أوروبا، الذين يتمتعون بدورهم بـ “نقيصة” “الاندفاع بلا رؤية” من أمثال “هولاند” و”كاميرون”، الذي أكد سفيره السابق لدى سورية “بيتر فورد” أن سياسته “المتهورة والمتعجرفة” أدت فقط إلى زيادة التطرف، وأنه لولا فشل مخططات كاميرون “لكان المتطرفون سيطروا على دمشق”.

والحال فإن “المروق” أصبح سمة حتى لبعض المواقع الالكترونية على الشبكة الافتراضية كموقع “غوغل” مثلاً، الذي ما زال حتى اللحظة يسمي مدينة “عين العرب” باسم “عين الإسلام” كما أطلق عليها “داعش” إبّان استباحته لها، كما أصبح “المروق” سمة بعض “الأصوات” العالية لـ “مفكرين” و”محللين” تكاد الطائفية والمذهبية، التي هي “حُبلى بالجلادين” كما يقول “أدونيس”، تخرج من بين سطور كل مقال يكتبوه أو تحليل يقدموه، لتقطع الرؤوس ذات اليمين وذات الشمال.

إنها دلائل وعلامات لا تخفى على أحد في عالم “شرعة الغاب” هذا، حيث القوي يفعل كما يريد والضعيف يعاني كما يريد، بحسب تشومسكي مجدداً، وما دام “الصمغ” الأمريكي، يجمع بين المارقين، دولاً ومنظمات وأفراداً، ويحميهم من “شريعة الحق”، فالحرب مستمرة، وهي “قد تثقل القلبَ”، كما يقول “أمل دنقل”، لكن دولاً، مثل سورية واليمن، اعتادت كتابة التاريخ منذ بدايته، تعرف أن قدرها وقرارها كان دائماً وما زال، أن “لا تتوخّى الهرب”، ولن تتوخاه أبداً.

بقلم: أحمد حسن

انظر ايضاً

خارج السياق الإنساني.. داخل سياق الغابة.. بقلم: أحمد حسن

بالتأكيد لم يكن العدوان الإسرائيلي الأخير على دمشق خارج السياق الحالي، كما “يحلّل” البعض، بل …