هوية البيت الريفي بمحاضرات مهرجان عين البيضا الثالث

اللاذقية-سانا

التراث ومفهومه وأهميته إضافة إلى رحلة في الذاكرة عن المساكن الريفية كانت أبرز محاور المحاضرة التي ألقيت مساء أمس ضمن فعاليات مهرجان عين البيضا الثالث للتراث حيث عرف الدكتور هاني ودح عميد كلية الهندسة المعمارية في جامعة تشرين التراث بأنه خلاصة ما خلفته الأجيال السالفة و هوية الأمة الثقافية التي لها تأثيرها في عصرنا الحاضر والمجسدة في المتاحف أو المنشآت والمخطوطات والكتب لافتا الى أن التراث يمثل قيمة كبرى باعتباره تسجيلا لذاكرة الشعوب ومن دونه تصبح الأمم من دون ذاكرة ولا تاريخ.. لذا نجد الأمم المختلفة ذوات الخبرة التاريخية الكبرى تتمسك بتراثها وتعتز بكل ما يحمل من عطاء في المجالات كافة بل يتعدى الأمر ذلك لنرى الأمم الحديثة التي لم يكن لها تراث تحاول أن تصطنع لنفسها تراثاً تتباهى به .

وأوضح الدكتور ودح أن للتراث جانبين اثنين الأول مادي يتمثل في الآثار والأشياء التي تحمل قيمة فنية أو تاريخية أو علمية أو دينية والثاني معنوي يتمثل في الثقافة العامة بمعناها الشامل من أفكار معتقدات- أعراف- عادات وتقاليد حيث نوه بأن التراث منبع من منابع الإبداع لكونه نتاج معتقدات دينية وظروف اجتماعية تم تجسيدها في صور فنية بديعة لتعبر عن هذه المعتقدات والظروف التي ترسخت في وجدان الجماعات كما أنه صلة وصل بين الأجيال عبر الزمان ويرى أن التراث خزانة عامة للخبرة البشرية ولا يقتصر على إنجازات السلف فقط إذ يمكن أن يضم أشياء جديدة من صنع الأحياء ذات قيمة ما يعني أن التراث ظاهرة مستمرة ومفتوحة النهاية.

كما تطرق ودح ضمن محاضرته إلى أهمية التأكيد على الهوية الفكرية وتحقيق الانتماء لافتا إلى قدرة التراث على مواجهة التيارات الثقافية الخارجية وحماية الخصوصية الثقافية المحلية ولاسيما من الناحية المعمارية فالتراث يعد سجلا وثائقيا مهما يروي تاريخ المجتمع ويعكس صورته في رحلته عبر العصور ويعكس طبيعة التغيير في كل مرحلة من مراحل تاريخه بالإضافة إلى كونه تسجيلا لخلاصة خبرة أفراد المجتمع وإبداع الموهوبين منهم.

كما قسم الدكتور ودح التراث إلى نوعين رئيسين هما التراث الطبيعي ويقصد به مجموعة التشكيلات الطبيعية البارزة وتراث حضاري يضم نتاج الإنسان عبر الحضارات المختلفة سواء كان ماديا أو معنويا .

كذلك رأى الدكتور ودح أن هناك العديد من المواقع في العالم لها أهميتها وقيمتها التراثية وان المحافظة عليها مهمة المجتمع الدولي ككل وليست الدولة التي توجد فيها هذه المعالم ومن هذا المبدأ تبنت اليونيسكو صياغة اتفاقية دولية تعنى بالتراث العالمي الثقافي والطبيعي تعرف باسم اتفاقية حماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي أقرت عام 1972 وتعد من الاتفاقيات الدولية المهمة التي تعنى بهذه المجالات.

من جهتها تحدثت الدكتورة إريانة أحمد المتخصصة بتاريخ العمارة وترميم المباني الاثرية عن مزايا البيت الريفي البسيط في المنطقة الساحلية من ناحية موقعه ومواد بنائه وطبيعة توزيع الغرف في البيت المكون من فراغ واحد يحتضن الفعاليات اليومية الموزعة ضمنه بحيث يتم التركيز على الأنشطة الثابتة وتخصيص زوايا تابعة لها كالموقد الخاص بالطبخ وعنابر ثابتة لتخزين المؤونة ومكان الدواب والدواجن ما ينتج عنه تقسيم معين للبيت يفرض توزيعا خاصا للزوايا واستخداماتها.

وتعد الدكتورة اريانة أنه لا تختلف البيوت الريفية عن بعضها البعض بشكل كبير وتوجد بعض الفروقات البسيطة التي يمكن ملاحظتها في كل بيت حسب مواد البناء المتوفرة وإمكانات صاحب البيت المادية ونلاحظ أن الريفيين كانوا يقضون قسما كبيرا من حياتهم اليومية في الفناء المحيط بالبيت الذي يحتل مكانة مهمة في عمارته وتأسيسه فنراهم اهتموا بتفاصيل تتعلق بالمسطبة والعريشة والعرزال والدرج المؤدي إلى سطح المنزل الذي له أهمية خاصة في تأسيس البيت بسبب احتضانه عدة أنشطة يومية كالغسيل أو الطهي أو تحضير المؤونة المختلفة إضافة إلى التخزين.

كما عرضت الدكتورة اريانة عددا كبيرا من الأمثلة الدالة على صحة ما ورد لافتة إلى إمكانية أن نجد بيوتا كثيرة ضمن القرى الساحلية تنطبق عليها هذه المواصفات لكن أصحابها هجروها لعدة أسباب أولها صعوبة صيانتها والكلفة العالية لترميمها إضافة إلى عدم توفيرها شروط الحياة الجديدة وتقنياتها وهنا يأتي دور الجهات المعنية بتشجيع الحفاظ عليها وصيانتها ولو بشكل متحفي بحيث يبقى هناك بيت ريفي في كل قرية يتم تحويله إلى متحف مسجل أصولا ضمن دائرة الآثار .