في الذكرى الثامنة والسبعين للجلاء.. ستبقى ملحمة الاستقلال إرثاً يصونه السوريون جيلاً بعد جيل

السويداء-سانا

توّج الجلاء مرحلة طويلة من كفاح السوريين وتضحياتهم وبطولاتهم التي قدمها الأجداد على امتداد أرض الوطن، وسيبقى هذا الإنجاز إرثاً وطنياً وتاريخا خالدا للأجيال اللاحقة تستلهم منه دروساً في حب الوطن وبذل الغالي والنفيس للحفاظ على استقلاله ووحدة أراضيه.

طرد السوريون المستعمر الفرنسي عن تراب سورية وانتزعوا استقلالهم بعد سنوات طويلة من نضال أجدادنا صانعي الجلاء بمواقفهم وبطولاتهم ووحدتهم الوطنية التي جسدوها خلال الثورة السورية الكبرى التي جاءت تتويجاً للثورات المحلية التي بدأها الشيخ صالح العلي في جبال الساحل السوري وقادها سلطان باشا الأطرش من جبل العرب عام 1925 ليمتد لهيبها إلى كل أنحاء الوطن، والذي أحرق المستعمر وأعوانه ووضع حدا لطغيانه واستبداده وممارساته الإذلالية والتسلطية على شعب رفض الاستعمار وعشق الحرية.

الدكتور ثابت غانم رئيس الجمعية التاريخية في السويداء قال في تصريح لـ “سانا” بمناسبة الذكرى الثامنة والسبعين لجلاء آخر جندي فرنسي عن الأرضي السورية: “الثورة السورية الكبرى مهدت الطريق نحو الاستقلال، حيث حققت نتائج كارثية على المستعمر الفرنسي وكبدته خسائر فادحة في العتاد والأرواح من جنود وضباط رغم أن المواجهة لم تكن متكافئة بين فرنسا كدولة عظمى وجيشها الجرار وآلة الدمار الضخمة التي تمتلكها مقابل ثلة من الثوار هبوا دفاعا عن كرامتهم وأرضهم وتاريخهم.. قاتلوا بأسلحة فردية بسيطة.. وعمت الثورة المدن والأرياف فقد أيقن السوريون أن انتزاع حريتهم وصون كرامتهم لا يتحقق إلا بالقوة والنار أمام طغيان هذا المستعمر”.

ويضيف غانم: “إن ما سطره صانعو الجلاء من مواقف وتضحيات وملاحم وطنية، خلدها التاريخ فقد كان المجاهد الكبير سلطان باشا الأطرش علما من أعلام الثورة ضد المستعمر ورمزا من رموز النضال الوطني ضد المستعمرين العثماني والفرنسي ومثلا أعلى في النضال والصبر والاستقامة.. كان رجلاً وطنيا شجاعا ومتواضعا صلبا في مواقفه وثابتا على مبادئه مترفعاً عن المكاسب الشخصية على حساب الوطن ووحدته واستقلاله فترسخ في وجدان السوريين زعيما وطنيا.. مقاوما شرسا في وجه المستعمر.. والتفت حوله الزعامات والقامات الوطنية من كل مكوّنات الشعب السوري وتمت تسميته في مؤتمر ريمة اللحف بريف السويداء في مطلع أيلول عام 1925 قائداً عاماً للثورة بإجماع وطني”.

وجاء البيان الأول للثورة السورية الكبرى حسب المؤرخ غانم الذي أعلنه سلطان باشا (إلى السلاح إلى السلاح) حاملاً بعداً إنسانياً وقومياً وعروبياً ووطنياً تحت شعار (الدين لله والوطن للجميع)، وكان له دور في توحيد صفوف السوريين بمختلف أطيافهم، ومعبراً عن أهداف الثورة الواضحة في صون وحدة البلاد والاستقلال التام.

ويضيف غانم: “خاض المجاهدون معارك كثيرة خلال الثورة سطروا فيها ملاحم البطولة والتضحية وحققوا فيها الانتصار على الفرنسيين رغم قلة عددهم وعتادهم وجاءت معركة الكفر أولى معارك الثورة، حيث هاجم الثوار حامية صلخد وقلعتها وسيطروا على أسلحة فرنسية، فأوكل الفرنسيون مهمة قمع الثورة واستعادة القلعة لنورمان أبرز قادتهم العسكريين ووصلت حملته في 19 تموز عام 1925 إلى بلدة الكفر وأقامت التحصينات والمتاريس لمدة ثلاثة أيام، لكن الثوار توجهوا إليها بأسلحتهم الخفيفة من سيوف وبلطات وبعض البنادق القديمة والتحموا في معركة شرسة مع القوات الفرنسية بالسلاح الأبيض وتمكنوا من إبادة الحملة خلال 40 دقيقة وقتل قائدها، فيما ارتقى 54 من الثوار شهداء وتابع رفاقهم التقدم إلى قلعة السويداء، وحاصروها وازدادت ثقتهم بالنصر وتحرير البلاد”.

ويرى الدكتور ثابت غانم رئيس الجمعية التاريخية أن التاريخ يعيد نفسه، حيث يتعرض وطننا منذ سنوات لحرب إرهابية بكل نواحي الحياة استدعت من الجميع استلهام العبر من الماضي والإرث النضالي الذي تركه الأجداد، وهذا ما جسده أبطال جيشنا العربي السوري على امتداد أرض الوطن، ومنها محافظة السويداء التي وقف أبناؤها وقفة رجل واحد إلى جانب الجيش العربي السوري في التصدي للتنظيمات الإرهابية في معركة مطار الثعلة وفي طرد إرهابيي “داعش” والقضاء على فلولهم في معركة المقرن الشرقي عام 2018، وكما في كل مكان من سورية ارتقى كثير من أبناء السويداء شهداء كتفا على كتف وهم مع زملائهم في تشكيلات الجيش العربي السوري.

طلعت الحسين