انتصار بعلامات فارقة-صحيفة البعث

ليس في المشهد العام ما يدعو للتوجس بشأن مستقبل سورية، حتى من أكثر أبنائها حرصاً، فليسترخِ إذن المدّعون قلقاً والمتدثّرون بأثواب “حقٍّ أُريد منه باطل” من النافخين في النار واللاهثين وراء فرصة لتركيع من أبوا إلّا الصمود، وبشواهد وقرائن لا تنتظر من يسوقها، تتوالى في ميادين المنافحة عن السيادة والمواجهة مع أذرع “ترجمة” وصفات الموت المعلّب المعدّة خصيصاً “للاستهلاك” في سورية.

ليس إنشاءً، بل هو رصد لمفارقة صاخبة يعود طرفها الأوّل إلى أحدث فصول المكيدة التركية في إدلب وجسر الشغور، وطرفها الثاني جرت وتجري تجلياته في بادية تدمر، التي وثّقت بالأمس هزيمة لعصابات وقطّاع الطرق المنتمين إلى “داعش” والمافيا الداعمة لها، هزيمة تستحق الوصف بـ “العلامة الفارقة” في سفر المواجهة مع الإرهاب سطّرها أبطال الجيش العربي السوري.. ومفارقة لا بد من الوقوف عندها في التعاطي مع كلا طرفيها، بين التطبيل والتزمير لمزاعم “انتصار” أجوف في شمال سورية، وصمت مريب إزاء هزيمة في وسطها لأخطر أجنحة الإرهاب!.

لن نسأل عن أسباب حالة الشلل التي استحكمت بألسنة من تفتحت لديهم ملكات التعليق و”ضخ السمّ” على إيقاع ما جرى في جسر الشغور، ولاذوا بالصمت أمام هزيمة “داعش” رغم أن هذا التنظيم عدوٌّ مفترض للعالم أجمع ومقصد لمحاولات الشتم وإبراء الذمم لكل داعمٍ للإرهاب من آل سعود إلى آل ثاني إلى فرنسا هولاند وصولاً لواشنطن، التي عوّدت العالم على الانعطاف يساراً وهي تطلق إشارات الانعطاف يميناً.

لن نسأل لأننا على القناعة ذاتها بشأن حقائق “وصفة التدمير” المركبة بعناية فائقة في أروقة متخصصة لا تهدأ حركتها لا ليلاً ولا نهاراً، وأغلب الظن أنها لم تعد قناعات سوريّة بحته، بل تسرّبت إلى الرأي العام في دول صناعات الإرهاب ذاتها.. وهنا مأزق الحكومات والأنظمة التي ثبت تورطها بـ “المصافحة مع الشيطان”!.

ما جرى من انتصار لأبطال الجيش العربي السوري في تدمر بكل ما يعنيه على المستوى العسكري والاقتصادي “نفط وغاز”، وعلى المستوى الاجتماعي، والمعالجات المتأنية والمدروسة للأوضاع في إدلب وجسر الشغور، والانتصارات المشرفة في القلمون، يستحق أن يكون منعطفاً في تعاطينا، نحن السوريين، مع أعمالنا، ونظرتنا إلى القادمات من الأيام، لأن الرسائل التي يبثّها جيشٌ يسجل هكذا انتصاراتٍ على كل الجبهات المشتعلة مع الإرهاب، يجب أن توحي لنا بسلسلة تطمينات، لكن الأهم ما توحي به من استحقاقات عمل وبناء ونماء، فإن توفرت الطمأنينة أمرٌ يفترض سقوط مفاعيل آلة الدعاية السوداء والإحباط، أمام إرادة نهوض وتجدد مفترضة، بل معهودة في خصالنا، ولدينا من الإرادة وعطاءات الطبيعة ما يؤهلنا لمعاودة الانتعاش بأفقٍ لا محدود.

فإن عجز أو أحجم هواة التحليل مدفوع الثمن عن قول كلمة حقٍّ مجانية، عندما يحتم عليهم الواقع والوقائع قولها، لا نعتقد أن علينا انتظار مصادقتهم على حقائق نراها ونعيشها، بل ونصنعها بصمود جيشنا وصبر شعبنا وحكمة قيادتنا، وعلى الأرجح لم تترد عبثاً وعبر التاريخ مقولة: “الكلاب تنبح والقافلة تسير”، فإن صمد بلد لأكثر من أربع سنوات، فهذا يكفي في الأعراف البشرية وأدبيات الدول لاستنتاج أن لا خوف عليه..

وهذه حقائق لا بد أن نبني عليها في تطلعنا نحو مستقبلنا من اليوم.. فالانتظار مضيعة لوقت سنحتاجه كثيراً في القريب، وربما القريب العاجل، وعلينا ألّا ننسى أن “من يضحك أخيراً يضحك كثيراً”.

بقلم: ناظم عيد