سورية هذا الكون من الكفاح تقول: أهلاً بالرئيس البشار- بقلم د. نجاح العطار

إذا كان الضمير الذي في صدورنا يفرض علينا أن نكون جنوداً في معركة المصير، نحن أصحاب السابقة في النضال الوطني، وفي العمل القومي، وفي الدفاع عن القيم العربية، وفي جبه رياح التآمر، فقد كان طبيعياً أن نبايع قائداً هو في السريرة منا، أملٌ بعرض الدنيا، وفي القلب زاد طريق إلى أربع رياح الأرض، في يمينه ارتفعت بشارة الكفاح، وإيماءة التضحية، وكان صبره في النضال بلا مدى، وقيادته، في رفيع مستوياتها، تتأبّى على النَّصَب، وكلامه العاصف يأتي ليزلزل مفاهيم العجز، ويدفع الناس إلى رفض المصير المظلم، وليشكل وثيقة سياسية نضالية، وترجمة أمينة عن عواطف الملايين من أبناء شعبنا ومناضليه.
ولم يكن غريباً على سورية التي عاشت، في القلب والجارحة، لحمةَ مودات لا انفصام لها، في مفهوم المواطنة، ومجدَ ذكريات في الكفاح الصامد، والنضال العنيد، دفاعاً عن الوطن وعن الأمة، وكانت في تاريخها، أثيرة على التاريخ نفسه، لأنها معه على امتداد سحيق في المجد والقدم.
لم يكن غريباً على سورية العربية، بل هذا الكون من الكفاح الذي لا يماثله كون آخر، أن تقدم صادق بيعتها لك، يا سيادة الرئيس، على هذا النحو غير المألوف، حين زحفت، في مسيرة حاشدة، تلتها مسيرات، تواصلت نهاراً وليلاً، لتعلن بجهارة الصوت، وفي ساح الانتخابات، وبجموعها الحاشدة، مبايعتها لك، قائداً عربياً مقداماً، يمتلك تلك البصيرة التي أعطيت للقادة الصامدين المفادين، في تاريخ الأمم، وللقادة الشجعان الذين مضوا بشعوبهم إلى أمام، في مقارعة العدوان، أياً كان مصدره، وليكون في إجماعها هذا، نبلٌ إلى العروبة ينتسب، وإلى الشيم الغاليات ينتمي، وفاءً لمن ناضل لأجل وطنه وشعبه وأمته، وابتغاءً لانتصار الحق، واستتباب الأمن، وإعادة الإعمار، واستعادة الذين هُجّروا أو هاجروا، كُرهاً، بعد أن دمّر الإرهاب بيوتهم، ومعابدهم ومدارسهم ومستشفياتهم، وقتّل أبناءهم، وحرمهم من الخبز والماء والكهرباء والدواء.
وإدراكاً من هذه الجموع التي تجيش صدورها بالمحبة، بأنها تبايع من أجل مستقبلها، من أجل الوطن وسلامته، ومن أجل الشعب بأبنائه وأطفاله، ومن أجل الخلاص من ظلام الإرهاب التكفيري الأسود الداهم الذي يهدد الوطن بحريته، والأمة بكرامتها ومصيرها ووجودها، ويسعى كي يدمر كل الإنجازات التي تجلت نهضة اجتماعية واقتصادية ودفاعية وثقافية، في كل حقل من حقولها.
واعتزازاً بقيادته الشجاعة لجيش عقائدي أبيّ، من أبناء وطنه الميامين الذين يهزّون، في كل يوم، دعائم الباطل، وتلتمع أسماؤهم كالنيازك في سماء الوطن، وهم الرجاء لوطن يسري إلى النصر، عبر دروب الشهادة والتضحيات، وبكثير من البطولة والإقدام يتابعون معاركهم، من دون تردد أو وهن، ويُعلون الرايات وهم يسيرون على درب اللهب، واثقين أن درب اللهب وحده هو درب الكفاح الموصل إلى تحقيق الأهداف.
الحق أبلج، وأمانة التاريخ رسالة في أعناقنا، نحرص على أدائها، وينبغي أن يدرك الجميع أن سورية تعرف كيف تنجب من يدافع عنها، وتعرف كيف تنشئ الأوفياء لها، وكيف تختار قائدها، وكيف تُدخل الوعي في ضمائر أبنائها، في هذه الظروف المريرة القاسية التي حاولوا وضعنا فيها، تاريخاً وديناً وقومية، في قفص الاتهام، عدواناً وجوراً وبهتاناً، ليظل هؤلاء الأبناء رمزاً للبطولة، وليظل وطنهم قلعة صمود، ومنطلق كفاح.
* * *
أعود إلى ملفات الماضي، ونحن نتابع مواقف جامعة الدول العربية في الراهن، وأتساءل على ضوء ما يجري في أقطارنا كافة، لماذا تقف هذه الجامعة موقف العاجز المرتهن لإرادة المتآمرين، وكأنها غير معنية بالإسهام في توجيه الجهود والطاقات والقوى المادية والمعنوية لأمتنا، إلى جبهات المواجهة، في سبيل الوفاء بالالتزامات القومية، والانتصار للقضايا المصيرية، ما يجعل احتمالات العدوان، في تحقيق أهدافه، أضعف وأقل خطراً، أمريكياً وإسرائيلياً، قطرياً وتركياً وسعودياً؟
لماذا تقنع بالبقاء مؤسسةً هشة ليس لها من جامع الشتات إلا الاسم؟
لماذا يرضيها أن تكون المتفرج أو المتعاون مع سياسات الهدم والتخريب الواقع على بلداننا، هذا في أحسن الأحوال، إن لم نقل الداعم لأشكال التآمر واللامبالاة العمياء؟
إن أنباء العدوان تتناقلها أخبار العالم وفضائياته، وتزيف ما وَسِعها التزييف.. لمَ صارت لا تدري أن تماسك الأمة التي تدعي تمثيلها هو القوة، وأن علينا جميعاً، إذا كنا نريد أن ندافع عن أرضنا وحقوقنا وشعبنا وبيوتنا وأهلنا وقيمنا وعقائدنا ووجودنا أساساً، علينا أن نرصّ صفوفنا، وننبذ خلافاتنا، ونتقارب، ونتضامن، وننطلق جميعاً من موقف موحد، شجاع صادق، في رحاب جامعة حقيقية تجمع الشتات وتوطد السلام، ولا ترتهنها ظروف الواقع المهزوم لأمتنا، من محيطها إلى الخليج، من الأقطار المعتدى عليها إلى الأقطار المتعاونة مع العدوان.
لماذا رضيت أيتها «الجامعة» أن تعطي حق القرار المخزي لبلد لم يكن له في يوم من الأيام أي دور، إلى أن اشترى هذا الدور بالمال، ثم تابعت تآمرك على بلد، كسورية كان هو أحد أهم مؤسسي الجامعة، وأحد أهم العاملين فيها، وفي مؤتمراتها دفاعاً عن العروبة، وفي مواجهة الانفصام بين بلد وآخر، لإيمانه بأن تنمية مشاعر الأخوة هي هدف ، وهي رسالة، عليك أيتها «الجامعة» أن تؤديها لأنها ضرورة وجود.
أسأل، وأعيد السؤال: لماذا استطعت أن تجمّدي عضوية سورية فيك، وتخليت ببساطة عن عقلانية المعالجة التي تعطي لك دوراً قومياً نزيهاً؟ لقد سبق أن عقدنا المؤتمرات أكثر من مرة، وأنا شاركت في بعضها، كي نحقق إصلاحاً يجعلك جديرة باسم الجامعة، ودورها.
لماذا تنازلت ببساطة عن داعمي القضية الفلسطينية، جوهراً للقضية العربية، بتجميد عضوية سورية، وهي من هي في الدفاع عن القضية، وهم من هم في التخلي عنها، وفي التعاون مع العدو؟ هل كان إغراء المال هو الذي يدفع إلى مثل هذه التنازلات الرهيبة، ويقذف بك إلى بحور من الظلمات؟… هل نسيت أن الأمة التي تدعين تمثيلها، قد أدخلتنا في سماحة التاريخ شعباً واحداً، يؤلّفنا ضمير واحد، ويتجسد قيماً مشتركة، وانتماء واحداً، في فضاء رحب من الوعي النزيه؟..
وأسأل: من يستطيع أن ينسى العراق اليوم، وسورية ولبنان واليمن وفلسطين، وكل هذه الأقطار التي عانت أو مرشحة للمعاناة، على مدار الحدود العربية؟
إن مفاهيم العروبة والوحدة والتضامن، للأسف، تهوي إلى قيعان عميقة، في الأحضان المتنكرة للعروبة، والاتهامات توزع، والفكر الاستسلامي الرخيص هو الذي يحل محل الفكر المناضل القومي النزيه والشريف، وحياة المناضلين الشرفاء على أرضهم، في مهب الريح، في بؤر من الاستبعاد والقتل والإلغاء..
والإسلام والعروبة وسماحة المسيحية عندك؟ كلمات لم يعد لها مدلول أو مغزى، ولا تنصرف إلى سلوك مستقيم، أو تعاطف نبيل، أو حرص على الدفاع عن الحق والمشروعية والمبادئ التي كانت جزءاً من موروثنا العظيم، وكل ذلك في رحابك، يا «جامعتنا»، في حين ترضين أن يتساقط من تناصرين، على أمريكا والغرب، تساقط الذباب على الحلوى..
كلماتنا أيتها «الجامعة» التي لا تجمع بل تفرّق، تقطر ألماً ودموعاً ودماً.. وهي تسجل عليك بداية مايلي:
1- تجميد عضوية سورية في الجامعة، ودعم الجامعة المتواصل المكشوف والمفضوح والعدواني والتحريضي على سورية، والعمل المساند مع المعارضة المرتبطة، بدلاً من أن تكون نصوحاً، ومع أطراف المؤامرة الدولية..
2- الجامعة غدت حاضنة للإرهاب، تتبنى الإيديولوجيا التي تدعو إلى القتل والتدمير والتسليح والتمويل لأدواتها، في حربها على سورية، وفي إغضائها الذليل عما يجري في أقطار أخرى.
وليرحم الله أبا فراس الحمداني الذي قال يوماً، وهو أسير في بلاد الروم:
إذا خفت من أخوالي الروم خطـة
تخوفت من أعمامي العرب أربعـا
وإن أوجعتني من أعـادي شـيمة
لقيت من الأحباب أدمى وأوجعـا
* * *
كلماتنا تقطر ألماً ودمعاً ودماً، قلت، لكنها، أيضاً تقطر عزماً وصموداً -ذلك أننا لا نصدر عن خوف ولا عن عجز، وفي موقف الكفاح لا نعبأ بالافتراءات، وإذا كنا نشهد مأساة المآسي على أرضنا المخضبة بالنجيع المقدس، وكذلك على أكثر من أرض عربية، فقد قررنا أن نكافح، كي نحمي أطفالنا وبيوتنا ومعابدنا ومؤسساتنا، ونحقق الأمان والسلام، والحياة الكريمة لكل مواطن على أرضنا، مهما استأسد أولئك الذين أوغلوا في الجريمة، واستمرؤوا أسلوب العدوان، وأخذتهم العزة بالإثم..
القتلة ليسوا رجال دولة، والمغتصبون السفاحون ليسوا بناة نظام، وعلى المعارضة المثقفة الواعية، على الذين عرفناهم، ومحضناهم الود، أن يثوبوا إلى الرشد، وأن يرفضوا هذا الذي يجري على أرضهم، وعلى أهلهم، من قبل الغلاة الهدامين الذين لا يرعوون..
الوطن هو الأغلى وهو الأعلى، والنضال لأجل قضية يكون، أو لا يكون..
* * *
يا سيادة الرئيس
لقد أعطيت لتاريخك أن يكون مجد تاريخ، ودعوت إلى تكريس الحياة لما هو أسمى، ورفعت للنضال راية، وللفكر والبناء راية، وأردت للذين اغتالهم اليأس أن يرتفعوا فوق اليأس، وكنت دائماً رجل مبدأ، ورجل قضية، وبقيادتك أزهر الكفاح في كفك المرفوعة ضد الهزائم.. وإننا معك، شعبك معك، يعتصم بحبل الله، ويستمسك بالعروة الوثقى رباطاً لا انفصام له..
نحن معك بطموحك الكبير على مستوى الوطن، من أجل الارتقاء به، إلى أبعد الحدود الممكنة، والسعي لتوفير المستلزمات التي يفترضها هذا الارتقاء، بناءً، وتحديثاً، وانتصاراً لقضايا الأمة، والتصاقاً بقضايا شعبك، وعملاً ملحاً، من أجل تحقيق رؤانا الملتزمة بالأهداف الاستراتيجية للأمة.
وإننا ننطلق معك من موقع القوة، وبإمكاننا أن نجبه التحدي بتحدٍّ أكبر، وأن نخوض المعارك التي فرضت علينا، وأن نتسلح بعنفوان الثقة، وباستعلاء ينبع من إيماننا بالوطن وبالشعب وبالقائد الذي هو أمثولتنا في الكفاح الذي نخوض.
أيها الرئيس المناضل
لقد كسبت معركتك التي هي معركة شعبك، بما امتلكت من مقدرات فكرية وسياسية، ومن نضج في معالجة الأمور، من شجاعة فائقة، ومن عنفوان وجرأة، ومن قدرة على بعث الطمأنينة في نفوس الناس، ومن مبدئية لا يطولها أي افتراء.
وإننا من أرضنا الطيبة المباركة، وفي الفترة المقبلة من رئاستك، نرقب فجراً ساطعاً بالنصر، ونحييك من قلوبنا، وما في القلب يبقى الأكبر لأنه الأعظم، وفيه تنطوي كل حكايات المعزّة.
صحيفة تشرين