“بزنس” الجحود والدور المفقود؟!- صحيفة البعث

لا تبدو سهلة مهمة التحرّي عن تجليات الحضور والدور الاجتماعي لكبرى شركات قطاع الأعمال المحلي بيننا، في زمن أزمة متعددة الرؤوس والحراب، وحالة مصيرية تؤكد أن المواجهة استحقاق وقرار لم يترك مكاناً في الأفق القريب لمسارات أخرى تندرج تحت عنوان “الخيار”.

ولعله بات من الحكمة الارتياب بوطنية بيوتات مال تعملقت بيننا، لأن ثمة مفارقات تبيح كماً هائلاً من الشكوك بها كمكونات اقتصادية، حصدت “أطناناً” من العائدات في زمن الانفتاح والاستقرار وحققت فورات -حتى التخمة- من الفوائض الرأسمالية، لكنها تسطّر الآن فصول الفشل على “طاولات الاختبار الاجتماعي والوطني” وهذه ليست مجرد تُهم، بل حقائق لا نعتقد أن “متوالية الأوجاع” تسمح بالصمت إزاءها.

فقد أتخمتنا القطاعات الاقتصادية الوافدة التي جرى توطينها في السنوات العشر الماضية -بعد عقود من الحظر والمنع- بوعود وحكايا عن دور اجتماعي تتحضّر له على التوازي مع مقاصدها الاقتصادية، وكاد المتحدّثون باسمها أن يغنّوا عهودهم غناءً لشدة الاستعراض والتنطع في سردها تسويقاً مسبقاً اكتشفنا أنه لا يشبه إلّا التغرير بمن صدّق وعوّل، لتغيب غياباً تاماً عن المشهد الاجتماعي، كما غابت عن الواجهة الاقتصادية للبلاد ونأت بنفسها لتبدو كمن اتخذ من ضحايا الأزمة “دروعاً بشرية” ومن مرتكزات الاقتصاد الوطني قرابين لإبعاد شياطين الدمار والخراب عنها!.

وبات السؤال واجباً عن أكثر من 10 شركات تأمين وافدة و14 مصرفاً، وربما مثلها من شركات التطوير العقاري، خصوصاً وأنه لم يمضِ كثير وقت لننسى خطابات “السخاء المنتظر” التي ملأت الآفاق، وما زالت تردداتها باقيةً في أثيرنا رغم ضجيج الحرب على سورية، فأين أمست هذه “المؤسسات” المكتنزة لأكبر حصّة من حجم الإصدار النقدي السوري الكلي، والتي لا نبالغ إن ادعينا أنها ابتلعت سيولة السوق السورية، وأحدثت خللاً في توزّع الحيازات النقدية عبر تجميعها في قنوات محددة، وحجبها عن ميدان الفعل الاقتصادي الحقيقي، وهذا يعني التأثير المباشر على الميزان التنموي، فكانت عبئاً مضافاً على أوزار الحرب الحاقدة.. أين هي الآن؟ وهل من صوت يمثلها يخرج ليقنعنا بمسوغ تبريري ونعد باستعدادنا للاقتناع نحن وكل من يتساءل؟!.

سمعنا عن حروب ودمار حاق بدول عبر التاريخ الحديث، فكان الحامل الاقتصادي البديل للدولة ورعاياها شركات كبرى ورجال أعمال كبار.. إن لم يكن عرفاناً للمطرح الاستثماري و”مصدر الرزق” فليكن سعياً لإعادة إنعاشه وإتاحة فرص الجدوى والنماء مجدداً، وأمثلة مشابهة لا تخلو منها مجتمعاتنا المحلية، حيث يضطلع ميسورو الحال بمهام إنقاذية حقيقية في أوساطهم عندما تعصف بها جائحة ما أو محنة.. فأين ميسورو شركات “التهام الدسم الاقتصادي” في زمن الدّعة والأمان، ولماذا انكفؤوا منذ أن لاحت نذر الحرب على حاضنتهم الدافئة، وإذا أحجموا عن تلبية استحقاقات تندرج في خانة الواجبات، نسأل أليس من حقوق تترتب عليهم تستوجب من أحد ما أو جهةٍ ما المطالبة بها؟!.

وبصراحةٍ أكثر نتساءل وحسبنا أن نحظى بمجيب: هل يسدد هؤلاء استحقاقاتهم الضريبية بلا تلاعب بالميزانيات الختامية وفبركة الأرقام؟، هل سألت الجهات الرقابية عن دورهم في إشعال الطلب على العملات الصعبة وهم “يدولرون” موجوداتهم بالليرة السورية؟، هل تأكدنا أن لدى هؤلاء قيم الأموال ذاتها المصرح عنها هنا في خزائن داخل سورية، أم أنه تم ترحيلها خارجاً وتوجيه ضربة قاصمة للاقتصاد والمواطن على حد سواء؟!.

بدأنا بالبحث عن دور اجتماعي نسجله لـ “شركات الانفتاح” في هذا الزمن الصعب والعصيب، ولأننا لم نهتدِ انتهينا بالمطالبة بدورٍ رقابي عليها، فهناك ما يجب أن تضطلع به وليكن التزاماً، نعتقده غائباً، وإذا كانت القاعدة الاقتصادية تقول: “الغرم بالغنم” نؤكد أن مؤسساتنا العامة لم تكن الغانمة أيام الرخاء، فلمَ عليها أن تكون الغارمة في أتون الأزمة.. لعلنا أبلغنا والعهدة في ذمة أصحاب صلاحيات المساءلة؟!.

بقلم: ناظم عيد

انظر ايضاً

عصر التحولات الكبرى الجديدة بقلم: بسام هاشم

.. للمفارقة، فقد توجت “نهاية التاريخ” بتدمير نظام القطبية الأحادية نفسه، ليدخل عالم اليوم مرحلة …