الباحث خلايلي: معلولا هي جزء من التراث السوري وهويته وصلة وصل بين العصور السورية كافة

حمص-سانا

أكد الباحث في تاريخ الشرق القديم وآثاره الدكتور ابراهيم خلايلي في محاضرته “معلولا .. التاريخ والهوية وإعادة التأهيل” أن بلدة معلولا بأديرتها وكنائسها هي جزء من التراث السوري وهويته وصلة وصل بين العصور السورية كافة موضحا أن تحدث أهلها بلسانهم الآرامي يعطي صورة واضحة على استمرار العصور في المدينة دون انقطاع.

2

وبين الباحث المكلف بالإشراف على إعادة تأهيل معلولا في محاضرة استضافها المركز الثقافي بحمص أن اللغة الآرامية المحكية وغير المكتوبة دليل حي على وجود عصر هام من عصور الحضارة السورية القديمة له اتصال وثيق بعصور سورية السابقة والمعاصرة للآرامية.

وتحتفظ لهجة معلولا بمزيج لغوي يشير إليها من خلال الجذور اللغوية والالفاظ والمفردات التي حافظت على نقائها طويلاً كالألفاظ الأكادية والكنعانية والآرامية الفصحى والعربية المنزهة عن التأثيرات اليونانية وغيرها.

3

وأوضح خلايلي أن بلدة معلولا التي تبعد عن دمشق نحو57 كيلومتراً تعود إلى عصور ما قبل التاريخ وهي تقع في جبال القلمون الأعلى وتتشكل كمنطقة جبلية من ثلاثة مرتفعات تنفتح فيها ثغرات عميقة وواسعة لافتا إلى أن هذه المدينة عايشت العصور التاريخية التي تعاقبت على سورية بدءاً من العصر الأموري فالأكادي والآشوري والآرامي والفارسي واليوناني والروماني والعربي بما فيه عهد الغساسنة والأموي والعباسي ثم البيزنطي والسلجوقي والصليبي والأيوبي والمملوكي كما شهدت الاحتلالين العثماني والفرنسي.

4

وتابع إن معلولا التي تعني المضيق أو الممر الضيق أو المدخل أطلق عليها عدة اسماء منذ نشأتها فسميت بـ “المجلودة” لبرودتها وكثرة تشكل الجليد فيها كما سميت “بنكر ابوليس” قبل العصر السلوقي وفي سنة 161 قبل الميلاد في العصر الهلنستي سميت بـ “سلوقية القلمون” إما في العصر اليوناني فسميت باسم “سكوبولوسا” أي الوعرة المحجرة كما دعيت بـ “افيلا” وأطلق عليها العرب اسم النشيطة لبرودة هوائها وعذوبة مائها ويرى آخرون أن معلولا هي “قلمونا” نسبة إلى جبل القلمون المرتبط بأسطورة القديسة تقلا.

5

ولفت إلى أن معلولا تكتنز عدداً من المغاور والحصون ومنها ما هو طبيعي تم نقره في الصخر لاستخدامات مختلفة كالسكن واللجوء والاختباء ونحت بعضها الآخر بعناية واتقان ضمن مخطط يتضمن الحجرات الواسعة والسواري والمقاعد ولأغراض الدفن كما خصص بعض هذه المغاور للعبادة في عصور مختلفة ومنها ما استخدم كمعاصر للنبيذ وجميعها تشكل مادة أثرية هامة للدراسات والبحث.

وأن المعطيات الأثرية من نقوش ورسوم وكتابات التي اكتشفت في بعض مغاورها تؤكد عدم انقطاع الحياة في هذه المدينة منذ أقدم العصور منبهاً إلى خطر احتمال انهيار أسقف تلك المغاور على ما بني ضمنها من أديرة وكنائس وغيرها بسبب تسرب مياه الأمطار والثلوج عبر الشقوق مما قد يعرض قواعد تلك الأبنية للتحلل والذوبان وتشويه معالمها.

6

وعن ما يميز مساكن معلولا وبيوتها التراثية شرح خلايلي بالصور أن مساكن معلولا التي لحق بها الدمار والتخريب على أيدي العصابات الإرهابية لا يمكن اعتبارها حديثة التاريخ فهي تتجمع على سفوح جبلها المرتفع بشكل ملفت للنظر من حيث الصخور المحيطة بها واكتظاظها وتراكبها وتوضع بعضها فوق بعض مشكلة ما يشبه المدرج مبينا أن الكثير من هذه المساكن منقور في الصخر على شكل مغاور اتخذت بيوتاً وكان بعضها متعدد الطوابق وتفصل بين هذه البيوت ممرات ضيقة ومتعرجة معظمها مسقوف بجذوع الأشجار وأغصانها المجبولة بالقش والطين بينما تم بناء الجدران من الحجارة الكلسية أو الطين.

8

وحول وضع الأديرة والكنائس في معلولا قال الباحث التاريخي إن عملية تأهيلها الى جانب ترميمها وإصلاح أضرارها واسترجاع مفقوداتها تتطلب توثيقها أثرياً وكتابة تاريخها وأبراز دورها الحضاري بشكل موسع ضمن تاريخ عام للكنيسة السورية فمن المعروف أن سورية احتضنت المسيحية الأولى والتركة الأثرية في هذا المجال غزيرة في المواقع السورية وتشكل حلقة مترابطة يجب تتبع تفاصيلها للوصول إلى تاريخ موحد للتراث السوري في العصور المسيحية.

وأشار إلى أن من الآثار الأخرى التي تكتنزها معلولا المدافن والأنصاب التذكارية والجنائزية والصخور المقدسة وبعض أجران الطحن بالإضافة إلى أدوات من الصوان وقطع الحلي العاجي ومحتويات الكنائس وأهمها الأجراس والأيقونات وتسجل أيقونة العشاء السري والصلب التي كانت محفوظة في دير القديسين سرجيوس وباخوس أهمية بالغة وهي ايقونة بمشهدين مزجت ألوانها بطريقة التمبرا وهي مزج الألوان بصفار البيض وتعود إلى عام 1778 للميلاد.

والمح خلايلي إلى أن أكثر عصور معلولا ازدهاراً هو العصر الذي شهدت فيه المدينة بدايات الديانة المسيحية وترعرعها واحتضانها للقديسين الأوائل الفارين من عسف الإمبراطورية الرومانية ثم في عصر ظهور الحضارة العربية الإسلامية التي وجدت لها أرضية ثقافية هامة في بلاد الشام اكثر من غيرها من البلدان نظرا للحضارات الشرقية التي تعاقبت على بلاد الشام وأهمها الكنعانية والآرامية ذات الصلة الهامة والوثيقة بالثقافة العربية على مستوى اللغة بالدرجة الأولى.

ورافق المحاضرة افتتاح معرض للصور الضوئية تضمن أهم المعالم الأثرية في معلولا من كنائس واديرة ومساكن ومغاور.

حنان سويد