بين دمشق.. وأنقرة.. والرياض-صحيفة البعث

بالأمس، كان لافتاً صدور ثلاث رسائل بالغة الدلالة من عواصم مثل دمشق وأنقرة والرياض: ففي دمشق أعاد السوريون اجتراح معجزتهم مرة جديدة، فكانوا، كعادتهم دائماً، صورة المشرق العربي الحضارية، في ماضيه ومستقبله، وفيما افتتحت “طرطوس” الساحلية قبل أيام قليلة مسجداً هو الأول من نوعه في العالم الإسلامي باسم السيدة مريم العذراء، فتحت العاصمة “دمشق” ذراعيها لأبناء السيدة، من أتباع كنائس “أنطاكية وسائر المشرق”، ليجتمعوا باطمئنان وثقة في رحابها، وعقدت رايتها للسلام والحق، في زمن يعقد الآخرون رايتهم لشريعة الغاب ومشرعي الجريمة.

في الآن ذاته، وفيما كانت “أنقرة” تقول بوضوح تام وصوت مجلجل: إنها “ملّت” السلطان، وكفرت بإرهابه، ومذهبيته البغيضة، كانت “الرياض” تواصل رسالتها الظلامية عبر تأكيد “المحكمة السعودية العليا” الحكم بالسجن لعشر سنوات وألف جلدة على المدوّن “رائف بدوي” بسبب “تغريدة”، وهو الحكم الذي وصفته الأمم المتحدة “بالوحشي وغير الإنساني”.

والرسائل الثلاث بالغة الوضوح والدلالة، فقد قالت الرسالة الدمشقية: إن بلد الحرف الأول، يرى أن المسجد والكنيسة هما مكان واحد لرسالة سماوية واحدة، جوهرها الدعوة “إلى الخير والمحبة والرحمة والأخوة ونشر العدالة في أصقاع الأرض”، وإن “الكلمة الأخيرة في سورية لن تكون للبغض وأمراء الحروب، بل للحب واستعادة السلام للأمة كلها”، وإن “الحرب المفروضة ظلماً عليها”، كما وصفها الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، هي “حرب إبادة، يدفع ثمنها الشعب السوري بكل طوائفه”، كما قال البطريرك غريغوريوس الثالث لحام، لكنها “معركة الوجود لكل القوى الوطنية الاستقلالية التنموية الإنسانية في الشرق كله”، كما تقول الوقائع الثابتة، وهي حرب تخوضها دمشق ببسالة منقطعة النظير، على الرغم من وقوف بعض الأهل، وأبناء العمومة، سنداً في ظهر القاتل، ورمحاً في ظهرها، لكن قدرها أن تنتصر، وأن تكون العقل في مواجهة الفتنة، والنور في مواجهة الظلام حتى يبان الحق لمن له بصر وبصيرة.

وقالت الرسالة التركية: إنها تطمح لإغلاق صفحة شاحنات السلاح للإرهابيين، وإغلاق صندوق “باندورا” الذي فتحه السلطان لكل أصناف العنف والإرهاب والفساد في الداخل والخارج. لكن الرسالة السعودية أعادت، وللأسف الشديد، التأكيد على أن “داعش” بفكره وممارساته من قطع الرؤوس، إلى حد الجلد وغيره، هو نتاج طبيعي للتزاوج القاتل بين ظلم وقهر حكام “الاندفاع بلا رؤية”، وبين التفسير الوهابي المتخلف للإسلام، والذي دفع بضابط شرطة سعودي للترحم على انتحاري “القطيف” أمام ضحاياه، كما دفع بـ “الداعية محمد العريفي” إلى زيارة علنية لوالد “انتحاري” لتعزيته، باعتبار أن ذلك تصرف طبيعي، لا تجرّمه محاكم عليا ولا دنيا، في مملكة الرمال المذهبية القاتلة، التي أعلنت في الفترة الأخيرة عن عرض عمل لثمانية جلادين جدد لقطع الرؤوس في الساحات العامة!.

بالأمس كانت دمشق بقمتها الروحية المميزة، وكعادتها دائماً، “مدماك تلاق بين الجميع”، وأفقاً مفتوحاً على رحاب التنوع الروحي والاجتماعي الكامل، فيما كانت “الرياض”، التي هي أقل انفتاحاً من “داعش” بحسب صحيفة “هافنغتون بوست الأمريكية”، لا تزال تنادي بقطع الرؤوس وجلد الناس في الساحات العامة، أما “أنقرة” فقد بدأ صوتها يرتفع رويداً رويداً، ليندمج في لحظة لم تعد بعيدة، مع أصوات حلب والقاهرة وطرابلس الغرب، وسواهم من ضحايا شهوة السلطان وشبقه للدم والحروب، والتي تقول: أردوغان انتهى زمنك.. وحان وقت التنحي.

أحمد حسن

انظر ايضاً

عصر التحولات الكبرى الجديدة بقلم: بسام هاشم

.. للمفارقة، فقد توجت “نهاية التاريخ” بتدمير نظام القطبية الأحادية نفسه، ليدخل عالم اليوم مرحلة …