أميركا.. «المفجوعة»..!!-صحيفة الثورة

بعد الشكوى الأميركية من قلة المرتزقة الملتحقين بالمعسكرات التي أقامتها في كل من تركيا والأردن وغيرهما، يتأزم الموقف لدى الإدارة الأميركية حين لم تجد بينهم من يريد قتال داعش، في اعتراف قد يكون الأكثر وضوحاً في تراجيديا الموقف الأميركي.

فالمسألة ببساطة شديدة، أن كل من درّبتهم في الماضي -سواء كان بشكل مباشر أم عبر وكلائها- كانوا ينتهون إلى النصرة أو داعش، ولم تكن هناك فروق تذكر بين من انضم هنا أو فضّل أن يكون هناك، إذ الجوهر واحد، ومن ثم لا فروق حقيقية بين تلك التنظيمات الإرهابية حتى لو اختلفت التسمية، وما يفرقها عن بعضها لا يعدو تبايناً في المرجعية أكثر مما هو في المضمون أو الغاية.‏

وحتى الاقتتال الذي كنا نشهده في بعض الأحيان بين تلك الفصائل والتنظيمات لا يعود إلى أسباب عقائدية أو سياسية، أو لعوامل قتالية مختلفة، بقدر ما يعكس تضارباً في أجندات المشغلين، وتعارضاً في الأولويات بين الأدوات التي تشغل هذا الفصيل أو ذاك، وهو ما تتوافر عليه عشرات الأدلة والقرائن، والإدارة الأميركية تدرك ذلك وبالدليل الملموس.‏

المفارقة لا نعتقد انها في الاكتشاف الأميركي المتأخر، ولا في الشكوى بحد ذاتها التي أطلقها وزير حرب أوباما بشأن المعضلة النافذة التي يحتار في مقاربتها دفاعاً عن الخيارات الأميركية، بل في النفاق الأميركي في المسألة باعتبارها واحدة من أكثر النماذج الصارخة على ذلك، في وقت يصارع فيه العالم -من غربه إلى شرقه- مخاوفه من تمدد داعش والخطر الذي يشكله، فيما أميركا تجترّ الخيار المفلس دون أي تعديلات، وتصرّ على الرتم ذاته والخيار نفسه.‏

فأميركا المفجوعة بمرتزقتها وقد وضعت بعضهم على لائحة إرهابها- كما تدعي- هي ذاتها المفجوعة بأدواتها، وهي نفسها تلك التي تجرّعت عدم أهلية حلفائها وتسابقهم المعلن إلى عقد الصفقات من خلفها وأمامها، والمبازرة في سوق المصالح الأميركية التقليدية أو الناشئة، والمريب أنها تصرّ على الاجترار وتكابر في الاعتراف من البوابة التي جربتها عشرات المرات دون جدوى.‏

الأخطر، أن أميركا لا تريد أن تتعلم من التجارب، ولم تسأل نفسها سؤالاً يشتق من الشكوى الأميركية: من هم الذين دعمتهم أدواتها في المنطقة على مدى السنوات الخمس الماضية؟ ومن هم الذين مولتهم ودربتهم ورعتهم وسهلت وصولهم إلى صفوف داعش والنصرة؟ والأهم من هم الذين تتعامل معهم تلك الأدوات من المعارضة مهما تكن تسميتهم أو تصنيفهم؟ ومن هم أولئك الذي قدمتهم تلك الأدوات إلى أميركا على أنهم معارضة معتدلة.. التي كان الرئيس أوباما قد عدّهم ذات يوم مجرد فانتازيا!!‏

اليوم تعود هذه الفانتازيا إلى الواجهة من البوابة الأميركية ذاتها، حيث مرتزقتها يُحضِرون معهم أدلتهم وقرائنهم المثبتة بأنهم لا يريدون أن يقاتلوا داعش، وهم أيضا لا يريدون أن يقاتلوا النصرة كتحصيل حاصل، ولا أي تنظيم آخر متطرف، فهم جاؤوا بمهمة تنفيذ أجندة الدول التي مولتهم ودربتهم ومدّتهم بالسلاح وقد كشفت وثائق ويكيليكس جزءاً مما فعلته تلك الأدوات وما أنشأته برعاية أميركية مباشرة.‏

ما هو مؤكد أن أميركا ستستمر في التعبير عن فجيعتها بما آلت إليه حال مرتزقتها دون أن يترتب على ذلك أي مراجعة أو سؤال عما فعلته أدواتها، وهي التي أدارت مجونها السابق وستدير ما تبقى منه في رهان على وهم لا يكاد يتبدد في موضع حتى ينبت في جملة مواضع، ولن تنتهي من فجيعة حتى تلحق بأخرى، تحت وطأة التعويل على الوقت لإدارة خراب وفوضى يعم المنطقة، وإن كان لا يستثني ما هو خارجها..فكيف لعاقل ان يصدق تلك الفجيعة يوماً أو ما يترتب عليها لاحقاً..؟!.‏

بقلم: علي قاسم