آثاريون سوريون: الشهيد الأسعد كان سفيرا لتدمر وجريمة قتله دليل حقد التكفيريين على الحضارة السورية

حمص-دمشق-سانا

اختار باحث الآثار السوري خالد الأسعد الشهادة مقدما حياته على محراب النور الذي لا يفهمه الارهابيون الذين أقدموا على إعدامه من دون أن يستوعبوا ارتباط الأسعد الانسان والعالم والباحث بمدينته تدمر ارتباطا مقدسا عبر سنوات عمره التي تجاوزت الثمانين والتي كانت كافية كي يتحول هذا الانسان السوري الى مدينة .. فداخل ذاكرته توجد صورة مطابقة لأعمدة ومعابد وشوارع عروس الصحراء مشكلا تحالفا فوتوغرافيا مع زنوبيا ومدينتها ضد النسيان و رفض بيع ذاكرته لغيلان الظلام من الإرهابيين التكفيريين.

ويصف الباحث الدكتور علي القيم الشهيد الاسعد بانه كان سفيرا لتدمر ولسورية في الأوساط العلمية والأثرية حيث مثل الجانب السوري في عدة بعثات ومؤتمرات عالمية لينضم إلى قائمة نظرائه من الباحثين الأثريين الذين عشقوا آثار سورية لدرجة الالتصاق مثل سليمان المقداد مع بصرى القديمة وشفيق الإمام مع قصر العظم وشوقي شعث ومحمود حريتان مع متحف حلب وجبرائيل سعادة مع اللاذقية.

وأضاف القيم في حديث لـ سانا إن الأسعد كان نعم الانسان المبدع النشيط يصل الليل بالنهار لخدمة العمل الأثري يتفانى به حتى بعد وصوله إلى التقاعد كان مرجعا أساسيا في تاريخ آثار تدمر وقارئا للغة التدمرية المنبثقة عن اللغة الآرامية مشيرا إلى أن الراحل من اهم الذين عملوا في المديرية العامة للآثار والمتاحف خلال خمسين عاما مركزا جهوده في الكشف عن آثار تدمر ومحيطها وفي البادية السورية تنقيبا وادارة بعثات وطنية ومشتركة ومن هذه الاماكن الاثرية “خان الحلابات” و “قصري الحير الشرقي والغربي” و”البازورية” و “حوضة الكوم” و “جرف العجلة”.

ومن الإنجازات المهمة للشهيد الأسعد بحسب القيم “دليل آثار تدمر” الذي أصدره الراحل بعدة لغات للتعريف بهذه المدينة وآثارها كما شارك في التسعينيات من القرن الماضي بندوة دولية عن تاريخ تدمر وطريق الحرير كما ساهم في الفترة ذاتها باقامة معرض للاثار التدمرية في بولندا ثم انتقل الى عدة عواصم اوروبية وفي عام 2000 قام باكتشاف وترميم أحد أهم المدافن التدمرية بالتعاون مع بعثة يابانية.

واختتم القيم حديثه بالقول إن جريمة قتل الأسعد على يد الإرهابيين التكفيريين خسارة كبيرة للعمل الأثري الوطني فهو انسان كرس حياته في البحث الأثري والعمل من أجل خدمة الوطن.

من جانبه قال حسام حاميش مدير دائرة آثار حمص إن الجريمة التي ارتكبها تنظيم “داعش” الإرهابي بحق الأسعد دليل حقد العصابات التكفيرية وكرهها للتاريخ والحضارة السوريين لكون هذا البلد مهدا للحضارات وتميز بتاريخه العريق مشيرا الى ان فقدان الباحث الأثري الكبير خالد الأسعد يعني خسارة عمود من أعمدة المديرية العامة للآثار والمتاحف لما له من الجهود الكبيرة في مختلف المجالات من تنقيب و ترميم وبحث فضلا عن مشاركته في المؤتمرات الدولية و البعثات الاجنبية داخل و خارج البلاد.

وأكد مدير آثار حمص ان العاملين في المديرية العامة للآثار سيسيرون على الدرب التي مشى عليها الاسعد وهي درب الصمود والتحدي فهو لم يتراجع وعمل باخلاص وتحد حتى آخر لحظة من حياته.

وقال الباحث الأثري ملاتيوس جغنون تربطني بالشهيد صداقة قوية تعود الى ثلاثين عاما لمست فيها صفات خالد الأسعد النبيلة فكان متواضعا ومحبا بقدر ما كان عالما فاجأ الجميع بشجاعته الخارقة لأنه رفض أن يترك تدمر وهو يعلم المصير الذي ينتظره على يد القتلة الإرهابيين ليرتقي إلى السماء كاشجار النخيل مرفوع الرأس وهذا شرف عظيم له ولجميع ابناء سورية وكانت شهادته وسام شرف تقلده يفوق ما ناله من أوسمة عبر مسيرته العلمية.
واستذكر جغنون زياراته الى مدينة تدمر وكيف كان يتلقى الكتب التاريخية القيمة التي كان يقدمها له الأسعد ممهورة بتوقيعه وهي من مؤلفاته أو شارك بتأليفها عن الآثار بالتعاون مع علماء سوريين أو أجانب من فرنسيين والمان وانكليز معتبرا أن من دواعي اعتزازه بأنه من الآثاريين الذين يتقنون قراءة اللغة التدمرية إلى جانب الشهيد الأسعد والباحث الراحل عدنان البني.

وكشف جغنون أن الشهيد كان يعد كتابا جديدا على درجة عالية من الأهمية قبل استشهاده بعنوان “كيف نتعلم الكتابة التدمرية والآرامية” والذي كان مساهمة منه في نشر قراءة هذه اللغة التي تخص الأجداد وما تركوه من أوابد.

أما الأديب و الناقد نزيه بدور فقال باستشهاد عالم الآثار و المؤرخ خالد الاسعد فقدت الساحة الثقافية والعلمية علما مضيئا انجز الكثير من الترميمات و التنقيب وكان من أهم اكتشافاته حسناء تدمر كما شارك بترميم المسرح و اعادته الى حالته الراهنة.

وأضاف بدور شارك الراحل في الكثير من المحافل الدولية والعلمية واستقبل ضيوف سورية من مختلف أرجاء العالم وقدم لهم شرحا عن تدمر كما ان له أكثر من عشرين مؤلفا ويتحدث عدة لغات مبينا أن الأسعد كان عالما متميزا بقراءة النقوش الأثرية.

يذكر أن إرهابيي “داعش” أقدموا الثلاثاء الماضي ضمن مشروعهم التكفيري الإجرامي واستهدافهم للحضارة السورية على إعدام الباحث الأثري خالد الأسعد في ساحة المتحف الوطني بتدمر بقطع الرأس ثم قاموا بكل همجية بنقل الجثمان وتعليقه على عمود وسط المدينة.

 

انظر ايضاً

الغنى الفكري والثقافي والتجاري لتدمر على طريق الحرير

حمص-سانا لا تزال تدمر “لؤلؤة الصحراء” وواحة العصور الغابرة تكتنز من السحر والجمال ما يثير …