الشريط الإخباري

المنقلة.. لعبة تراثية تزين مساءات المعمرين في القرية الساحلية

اللاذقية-سانا
لا يكاد يخلو بيت في ريف اللاذقية من لعبة “المنقلة” التراثية وهي إحدى الألعاب الأكثر شعبية في القرية الساحلية خاصة بالنسبة لكبار السن ممن تشكل لهم هذه اللعبة احدى وسائل الترفيه و التواصل في مختلف أوقات النهار.

والمنقلة هي اللعبة الأكثر حضورا في الذاكرة الشعبية نظرا لامتداد جذورها الاجتماعية الى عقود طويلة خلت من الزمن ولا سيما و أنها تولد من حولها اجواء حماسية يغلب عليها طابع المنافسة و التحدي.. و يذكر نذير نوفل مدرس متقاعد يبلغ من العمر اثنين و سبعين عاما “أن المنقلة هي إحدى الألعاب الشعبية الأكثر شهرة وحضورا في الريف الساحلي خاصة في أوساط المعمرين ممن تعتبر هذه اللعبة جزءا لا يتجزأ من ذاكرتهم الحية و من موروثهم التقليدي العريق نظرا لارتباطها الوثيق بأجيال متتالية من أهالي الريف اللاذقاني على وجه التحديد و الذين طالما صنعوها دون كثير عناء من مواد وعناصر البيئة المحلية كالحجارة و الخشب و القماش”.

وأشار إلى أن المنقلة تتكون من حيث الشكل من قطعة مستطيلة من الخشب الـ=سميك طولها 65 سم و عرضها 15 سم بسماكة 5 سم و تضم صفين متوازيين يتصلان ببعضهما البعض عبر مفصلات نحاسية صغيرة و قد حفر في كل صف سبعة فراغات توزع عليها 98 حصاة صغيرة ملساء عادة ما تلتقط من قعر النهر و تسمى حصو المنقلة في حين تعرف الفراغات الأربعة عشر بالحفر أو الجونات.

وقال يجلس اثنان من اللاعبين بشكل متقابل تفصل بينهما المنقلة فيقوم كل منهما بدوره بتوزيع الحصى الموجودة في احدى الحفر على الحفر الباقية بعكس عقارب الساعة و حسب رقم النرد الزوجي ليبدأ اللعب وفق قواعد محددة لثلاث جولات متتالية يسعى فيها كل لاعب إلى ملء كل من الحفر أمامه بعدد زوجي من الحصى بعد تقدير عدد كل منها أي يحتاج الى عدد مفرد او زوجي من الحصى المتجمعة في يده.

وأشار الى أن الفائز باللعبة هو من يقوم بجمع الحصى من حفرة او أكثر ليضيفها الى ما لديه سابقا الى أن تفرغ المنقلة تماما وبالتالي هو من جمع أكبر عدد من الحصى التي تزيد عن ملء الحفر السبع الخاصة به أي جمع ما يزيد على 49 حصاة و توزيعها على كامل الحفر من خلال تقدير عدد الحصى الذي تحتاجه كل منها على نحو سريع و خاطف.
وأوضح نوفل أن هذه اللعبة تحتاج الى مهارات ذهنية و ذكاء متوقد بالاضافة الى القدرة العالية على الحساب و التفكير و العد السريع في مختلف ضروبها و جولاتها و هي المعايير التي تتحكم بالمباراة بين الطرفين و تفضي في نهاية المطاف الى فوز لاعب على آخر.

ولفت الى ان اكثر ما يميز هذه اللعبة الأجواء الحماسية المحيطة بها حيث يتحلق عدد من الرجال حول اللاعبين فيتبادلون مبارات التحدي و التهكم و التندر و هم يراقبون اللعب و العد وسط سرد طويل للكثير من الحكايات و القصص التي تجول في ذاكرة كل منهم و بالتالي تحرض اللعبة الكثير من الملكات الذهنية وقدرات الذاكرة لدى اللاعبين و رفاقهم من كبار السن.

وأشار الى ان المنقلة لم تزل حتى اليوم تزين مساءات القرية الساحلية حيث يصار الى اللعب بها يوميا في أحد البيوت لتنتقل في اليوم التالي إلى منزل آخر من منازل الجيران وخاصة أنها سهلة النقل في حال احتاج الأمر إلى ذلك نظرا لانتظام شكلها و سهولة إغلاقها و حملها دون أن تفقد أي من حصاتها.

واختتم نوفل بالقول غن هذه اللعبة و سواها من الالعاب الشعبية التي ارتبطت بالموروث التقليدي للقرى الساحلية عموما هي الأكثر حضورا بين كبار السن حتى اليوم رغم ما أفرزه العصر الحديث من وسائل جديدة للتسلية و الترفيه و التواصل حتى أن الكثير من الشباب من أبناء الجيل الجديد يسعون الى تعلم هذه اللعبة و اختبار قدرتهم على مجاراة اللاعبين المهرة من المعمرين حولهم و في هذا ما يبشر بتكريس هذه المفردة التراثية وضمان استمرارها و حضورها.

رنا رفعت