الخبر ومقاصده عند الجاحظ..كتاب نقدي بقلم الدكتورة ميادة إسبر

دمشق-سانا

“الخبر ومقاصده عند الجاحظ” كتاب أصدرته الهيئة العامة السورية للكتاب للدكتورة ميادة اسبر رأت فيه أن الجاحظ اجتمعت في أدبه عوامل التفكير العلمي والحاسة الأدبية الرفيعة الذي تزامن ظهوره مع تحول العلم العربي من الحفظ إلى التدوين.

وبينت أسبر أن الكتاب يسعى للكشف عن الآلية التي تخطى من خلالها الجاحظ مستوى النقل والرواية إلى مستوى الابداع لتغدو الممارسة الأدبية عنده نشاطا ثقافيا يتمثل جميع أنماط التفكير.

وفي الكتاب توضح المؤلفة أن الموروث الإخباري الهائل الذي انتهى إليه الجاحظ التقط طرائفه واستقصى مقاصده وأعاده إلى منظومة الثقافة إنتاجا أدبيا رفيعا معتمدين في ذلك المنهج السيميولوجي تحليل الخطاب والرموز متنقلا بين مجموعة من الأنظمة الرمزية أولها اللغة وثانيها الأدب وثالثها الثقافة بحيث يبدو المجتمع في علاقته بالأدب منظومة تتفاعل في داخلها الاتجاهات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي تؤثر في المنظومة الأدبية.

كما استعانت إسبر بمفهومها المنهجي ببعض الإجراءات التأويلية التي رأتها للانتقال من مستوى التركيب إلى مستوى الدلالة في أثناء تحليل أخبار الجاحظ بوصف التأويل علما يكشف عن الدلالة العميقة التي تكمن وراء هذه الأخبار.

وواجه هذا البحث ضربان من الصعوبات يتصل الأول بضخامة إنتاج الجاحظ وتنوعه بينما يتصل الثاني بغموض المسلك بين كيانين افتراضيين هما الأدب والثقافة.

وجعلت إسبر البحث في خمسة فصول يتناول أولها وعنوانه منهج الجاحظ في تلقي الخبر ونقده وتأويله معنى الخبر لغة واصطلاحا وأهمية السماع في إرساء أصول الرواية إضافة إلى الكشف عن أهمية الخبر عند الجاحظ بوصفه أصلا ثابتا بنى عليه جملة تأليفية وتصانيفية وأشياء أخرى تخص الخبر وتلقيه عند الجاحظ.

أما الفصل الثاني في الكتاب يتحدث عن صلة الخبر بالأدب تلمست فيه إسبر بعض ملامح التطور الدلالي للفظ الأدب بدأ من المعنى الأخلاقي والتهذيبي وانتهاء بالمعنى الابداعي محاولة الكشف عن الطريقة التي يتجاوز فيها الخبر وظيفته الإيصالية ليضيف إليها بعدا جماليا.

وكشفت إسبر عن المراحل التاريخية التي قطعها الخبر من الرواية إلى الكتابة مرورا بالتدوين على الرغم من تداخل هذه المراحل من الناحية الزمنية ليغدو الخبر قاعدة صلبة في ممارسة إبداعية تستوعب معطيات العصر وهوية عصره.

وفي الفصل الثالث فقد شغل بموقع الخبر في منظومة الثقافة التي تضم أنظمة رمزية متعددة من بينها اللغة والأدب وانتهى إلى تصنيف مستمد من نظرة الجاحظ إلى مستويات الثقافة من خلال أحاديثه عن العامة والخاصة والذي كان احد وسائل الجاحظ في تمييز الخبر الذي احتضن أشكال النزاع السياسي والاجتماعي والفكري.

في حين كان الفصل الرابع تناول دراسة مستويات الخطاب في نصوص الجاحظ وكان لا بد قبل ذلك من ضبط وتعريف للنص وبيان علاقة الخبر بمفهوم النص موضحة نتيجة فحواها أن الجاحظ في البيان والتبيين يرسي أسس الثقافة الشفهية القائمة على البيان واللسان وفي كتاب الحيوان ينزع إلى إرساء ثقافة جديدة هي ثقافة الكتابة.

وفي الفصل الأخير اتجهت إسبر إلى تقنيات السرد في أخبار الجاحظ ولأن الخبر فن سردي كان لا بد من دراسة الآلية التي صنع به االسرد أدبية الخبر والطريقة التقليدية التي ينتقل فيها الخبر من مستوى القصة إلى مستوى الخطاب وقد كانت اللغة مدخلا مناسب الوقوف على مكونات الخطاب الإخباري التي نهض عليها وصولا إلى بنائية الخبر عند الجاحظ .

اعتمدت إسبر في كتابها على اللغة العالية المترابطة ضمن أسلوب بنيوي متماسك يوازي رفعة المستوى الفني عند الجاحظ كون البحث نقدي تفكيكي يذهب إلى شعاب كاتب وأديب كبير كما حرصت المؤلفة على استخدام الدلالات والتطبيق برغم حضور اللغة الأدبية حضورا كاملا في كافة أبواب الكتاب ومفاصله مبتعدة عن الخط السائد حاليا والمقتصر على جمع أسماء النقاد وما فعلوه في كتب وإصدارات.

يشار إلى أن الدكتورة ميادة إسبر استاذة الدراسات الأدبية في جامعة البعث بحمص لها عدد من المؤلفات الأدبية النقدية منها شعرية أبو تمام .

محمد الخضر