الإرهاب والحصار الاقتصادي الجائر يدفعان إلى الهجرة.. وأوروبا تستغل المعاناة سياسيا وإعلاميا

دمشق-سانا

في مغامرة تحمل الكثير من المعاناة والتعقيد يترك سوريون وطنهم ويهاجرون بحثاً عن فرصة حياة مفترضة وحلم بظروف أفضل في الدول الغربية الأمر الذي يضع المؤسسات الحكومية وجمعيات المجتمع الأهلي أمام تحد جديد للحد ما أمكن من هذه الهجرة.

وفي وقت تبدو فيها أسباب هجرة السوريين واضحة وأبرزها الهروب من اعتداءات التنظيمات الإرهابية المسلحة وبطشهم وأعمالهم الإجرامية التي طالت كل شيء فضلاً عن الحصار الاقتصادي الجائر المفروض على سورية والذي ترك تداعيات سلبية على حياة أبنائها وصحتهم وعملهم تطرح تساؤلات وإشارات استفهام كبيرة عما تريده بعض الدول الأوروبية من هذا الملف وأي سيناريو تخطط للاجئين.

وتستغل دول عديدة هجرة السوريين وتسهل عبور الآلاف منهم في ظاهرة يصفها الباحث الدكتور هاني شحادة الخوري “بغير البريئة إنما لها أبعادها السياسية” كما أنها “تجارة رابحة ولئيمة على المستوى الدولي التي تقوم بها عشرات المافيات الأوروبية” وفق خيارات كثيرة لتخديم السوريين الراغبين بالهجرة والوصول إلى أوروبا حتى تحول الأمر إلى ما يشبه السباق ما جعل الكثيرين يبيعون أملاكهم وموجوداتهم أو الاستدانة لرمي أنفسهم بالبحار من خلال مهربين ومافيات في كل من تركيا واليونان وصربيا استطاعوا جمع ملايين الدولارات من هذه التجارة.

ويتغاضى البعض عن الصور التي تتداولها وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي باستمرار حول حالات الموت والاعتداء المتعمد على سفن تقل المهاجرين عبر البحار ويوجهون تفكيرهم نحو هدف واحد هو اللجوء إلى أوروبا ليكافؤوا بعد رحلة شاقة بوثيقة تحرمهم حقوقهم السياسية وبمدة إقامة محددة على حد قول “الخوري”.

ويضيف الباحث الخوري “يتراخى بعض اللاجئين عن مهمة البحث عن عمل ليتنعموا بتعويض اللجوء غير مدركين أنه مؤقت فأوروبا ومنها المانيا يمكن أن تعيد المهاجرين السوريين بعد انتهاء الأزمة أو انتهاء التزامها تجاههم ولاسيما أن أوروبا بدأت تعاني مؤخرا من تهديدات بهجمات إرهابية أصبحت معها تنظر بريبة إلى اللاجئين كسبب مباشر للإرهاب”.

ويرى الخوري أن “نموذج الهجرة الحاصل حاليا من الجنوب إلى الشمال والتي ستشكل اختبارا لطريقة التعامل الأوروبي من حيث الاحتواء والاندماج والدور الإيجابي الذي يمكن أن يلعبه اللاجئون إلى أوروبا ومدى قبولهم واحتوائهم اجتماعيا وثقافيا واقتصاديا في حين ينظر البعض من الأوروبيين إليهم كقنابل موقوتة للمستقبل وعبء على التنمية فالتعاطف الدولي يقف عاجزا أمام التخوفات من العمليات الإرهابية التي بدأت تحصل في الدول الأوربية”.

وتشكل الهجرة الحاصلة كما تراها عضو مجلس الشعب ماريا سعادة أحد مفرزات الأزمة التي تعيشها سورية وتحاول بعض الدول استغلالها والاستثمار فيها ماديا وسياسيا ودليل ذلك أن الإعلام الغربي صور أن معظم المهاجرين إلى أوروبا هم من السوريين وذلك لأغراض سياسية.

وتشير سعادة إلى قصة الطفل ايلان الذي وجدوه ميتا على أحد الشواطئ التركية بعد غرق القارب الذي كان يقله مع أسرته إلى اليونان معتبرة أن التركيز عليه من قبل بعض وسائل الإعلام كان الهدف منه “استدعاء التدخل الخارجي تحت مسميات إنسانية عديدة كإحدى حلقات التآمر على سورية”.

وفي وقت تقول فيه سعادة إن صورة الطفل ايلان آلمت قلوب الكثيرين تتساءل عن المجازر التي حصلت في سورية خلال سنوات الأزمة ولم تلامس الضمائر الحية في العالم وعن قيام خفر السواحل التركي بإطلاق النار على قارب سوري بالبحر راح ضحيته العديد وإرغام الناجين منه بالتوقيع على أوراق لجوء أو السفر عن طريق باب الهوى أي نحو الموت المحتم.

هناك تساؤلات كثيرة حول كيفية تعامل أوروبا مع اللاجئين وأي سيناريو يمكن أن يخطط مستقبلا لهؤلاء اللاجئين حسب كلام “سعادة” التي أكدت أهمية وجود إحصاءات حقيقية عن عدد المهاجرين ووضع خطة استراتيجية على المستوى الوطني تشترك في إعدادها جميع الجهات المعنية الحكومية والأهلية ومراكز الأبحاث الاجتماعية للتصدي لهذه المشكلة الخطرة.

وتؤكد سعادة أن مسؤولية احتضان الشباب تقع بالجزء الأكبر منها على عاتق المؤسسات الحكومية وجمعيات المجتمع الأهلي من خلال تركيز خططها على خلق فرص عمل للشباب وتأمين الأدوات اللازمة لتشجيعهم وتحفيزهم على الاستقرار وإقامة مشروعاتهم الخاصة داعية إلى أهمية تحول الجمعيات إلى العمل التنموي لخلق وتدريب الشباب على الأعمال وتأسيس المشاريع الصغيرة.

وتأتي أهمية تعزيز إدارة طاقات المجتمع كشريك أساسي في عملية صنع القرار وسن التشريعات ودعم الجيش العربي السوري ومقومات الصمود بمواجهة الحرب المعلنة على مكونات سورية ومؤسساتها حسب تأكيد “سعادة” وتضيف إن المجتمع هو الكفيل بصيانة وحدة الوطن وهو الحامل الطبيعي للتراث والهوية السورية التي تشكلت عبر آلاف السنين من الحضارة.

إن تهجير الانسان السوري عن وطنه هي عملية تعني فصل التاريخ عن الجغرافيا لأن المجتمع هو حامل التراث والثقافة المتراكمة عبر الأجيال المتعاقبة بغية تحويله إلى مجرد شخص يحمل ذاكرة المكان بالحنين فقط.

وترى سعادة أن تفريغ الأرض من الإنسان هو استهداف للتاريخ والثقافة والتراث وبالتالي فإن إحداث أي تغيير بنيوي مجتمعي يصبح سهل التحقق.

التحدي الكبير حسب سعادة هو “إعادة ضبط منظومة القيم المجتمعية بحيث يكون المجتمع هو الغاية وصاحب المصلحة في عملية التغيير المأمولة” من خلال المزيد من برامج التمكين وفق رؤية وطنية لإرساء وتكريس القيم الأصيلة القادرة على تحصين الانسان السوري وبنائه وجدانيا وتعزيز انتمائه إلى أرضه وتراثه على أسس منهجية واضحة يكون المنطلق فيها هو الإنسان والمجتمع القادر على بناء سورية القوية.

إن الدول الغربية نتيجة سياستها تتحمل مسؤولية كبيرة في خلق الفوضى والحروب في العالم وعدم جديتها في إيجاد حلول منطقية لأزمات المنطقة بل تزيد من تسعيرها أحيانا في حين يبقى مشروع السوريين في مواجهة الإرهاب وبناء الأجيال القادرة على تذليل الصعوبات مهما بلغت والتصدي لها بشكل عملي وتشاركي بين الجهات الحكومية والأهلية لإيجاد حلول ومبادرات تمكنهم من تأسيس حياتهم وبناء وطنهم.

وائل حويجة

 تابعوا آخر الأخبار السياسية والميدانيـة عبر تطبيق تيلغرام على الهواتف الذكية عبر الرابط :

https://telegram.me/SyrianArabNewsAgency

تابعونا عبر تطبيق واتس أب :

عبر إرسال كلمة اشتراك على الرقم / 0940777186/ بعد تخزينه باسم سانا أو (SANA).