حروب الوكلاء.. بالأصالة ..!!- الثورة

اعتاد المشهد الدولي على مقاربة حروب الوكلاء على أنها جزء من حروب الكبار التي تدار عن بعد أو قرب، حسب الموقف والحاجة، وتم صياغة المفهوم على أن المعادلات الناشئة ونتائج أي صراع يجب أن تكون جزءاً من تلك المقاربة،

حتى لو لم يكن هناك من دور مباشر في الصراعات البينية أو الإقليمية كتأسيس لحروب عابرة للإقليم.‏

اليوم.. ثمة تعديلات خطيرة وجوهرية في القياس وحساب المعادلات، مع بروز حروب خاصة بالوكلاء لا تدخل مباشرة في صراع الكبار، ولا في قواعد اشتباكهم المعتمدة، حيث يبدو أن هناك الكثير من الوكلاء الأميركيين يخوضون حروبهم الخاصة بالأصالة عن أنفسهم ولحسابهم، بعيداً عن حسابات الغرب أو أطماعه ومصالحه التي تبقى جزءاً أساسياً من أي صراع في العالم حتى لو كانت بعيدة كل البعد عنه.‏

الفارق أن ما يُدار وكالة في المنطقة ونيابة عن أميركا لم يعد في معظمه حاجة أميركية ملحة، ولا يدخل في سجل حروبها العامة، حيث بدأت السعودية حربها في اليمن لحسابات خاصة.. وتركيا ليست بعيدة عن ذلك في حماقتها مع روسيا.. وإسرائيل تبرر دائماً لحروبها الخاصة تلك من بوابة حاجتها للتذكير بعدوانيتها ودورها الوظيفي كرأس حربة للغرب وأطماعه، حيث ثمة أسئلة تصعب الإجابة عنها إلى حد الاستحالة عن معنى تلك الحروب الناشئة التي تبدو حروباً خاصة بالأدوات والوكلاء.‏

في الحصيلة النهائية نحن أمام مزيج مركب من النتائج التي تسمح لأميركا أن تدير الخراب بدلاً من إدارة الحروب التي بالغت في تبنيها خلال السنوات الخمس الماضية على الأقل، حيث تركت لأدواتها حرية أن تخوض حروبها وصراعاتها، وأن تشتبك مع هذا وذاك دون أن تكون حاضرة في أي منها، ولم تتدخل حتى في المأزق الذي تواجهه، محاولة تجاهل ما يجري، بانتظار أن تصل أغلب تلك الأدوات – إن لم يكن جميعها – إلى مأزق تحتاج فيه إلى أميركا أكثر من أي وقت مضى، وتعود إلى طلب النجدة حين يصبح من الاستحالة بمكان الاستمرار، فتكون أكثر مطواعية والنتائج والتداعيات أكثر انسجاماً مع الأطماع الغربية.‏

أميركا ورّطت دول أوروبا فرادى وجماعة في ليبيا وتركتها للمجهول، وتعود اليوم للتلويح بضرورة التدخل من جديد، لأن ثمار التدخل السابق ونتائجه بدأت تخرج عن السكة الأميركية، وهي التي أذنت لتركيا بالتحرش بالروسي في سورية وتدفعه لتوسيع ورطته مع المجتمع الدولي في العراق، وهي التي بحثت ملياً عن دفع إسرائيل لتعيد حضورها على المسرح، في رسالة مزدوجة الأبعاد لم يكن الروسي بعيداً عنها، والعنوان دائماً حروب الوكلاء الخاصة وبالأصالة عن أنفسهم، ولا علاقة لأميركا فيها!!‏

لا أحد يشكك في الدهاء الأميركي، ولا في المساحة التي تتعامل بها من خلف الأبواب وبعيداً عن الحضور المباشر، وهي التي حققت في المنطقة عبر حروب الوكلاء تلك ما عجزت عنه على مدى عقود، ولم تضطر للمخاطرة بجندي واحد، فيما شركات السلاح لديها تواجه صعوبة في تأمين صفقات التسليح للمنطقة.. دولاً وتنظيمات، بما فيها الإرهابية ذاتها المدرجة على اللائحة الأميركية، ولو جاءت عبر وسيط أو طرف ثالث.‏

لكن هذا الدهاء لم يوصلها في النهاية إلى النتيجة المرجوة، ولا إلى حيث تريد، بقدر ما راكم من الأخطاء، إذ إن تلك الأدوات لم تكن فاشلة وعاجزة عن تحقيق ما يخدم التوجه الأميركي فحسب، بل تحولت إلى عبء واضح، وفي كثير من الأحيان إلى عقبة كأداء فاقمت من تأزم المشروع الأميركي ذاته، حين دفعت بها أميركا علانية أو في الخفاء لتخوض تلك الحروب الخاصة بالأصالة عن نفسها.‏

وما نشهده أن تلك الحروب تُضاف إلى فاتورة العبء الأميركي سياسياً، وما تفتحه من مواجهات وصراعات لا تكتفي بنقل المنطقة إلى أتون الحروب البينية، بقدر ما تشعل شرارتها إلى ما هو خارجها، وحينها لن تكون أميركا بمنأى عن ذلك، ولن تستطيع أن تفاخر بدهائها السياسي، عندما تجد نفسها أمام خيارات صعبة ومرهقة، بل ومكلفة.‏

فحروب الوكلاء عندما يتعهدها حمقى وموتورون ومراهقو سياسة ومتطفلو عسكرة لا بد أن تشعل النار حيث يجب أن تهدأ، وقد تطفئها حيث يجب أن تندلع، فالحوَل السياسي الذي يحكم القتلة من مشعلي الحروب بالأصالة عن أنفسهم يدفعهم إلى المقامرة خارج حدود وهوامش دورهم الوظيفي، حيث غزارة التقارير الاستخباراتية الغربية المخالفة والمناقضة للسلوك السياسي ونهج صانع القرار الغربي، قد تكون رسالة تذمر من ذلك الحوَل الذي يدفن الحي ويقدم التعازي للميت ..!!‏

بقلم: علي قاسم

انظر ايضاً

الثورة يحرز المركز الثاني بالدورة العربية للأندية للسيدات بكرة السلة

أبو ظبي-سانا أحرز نادي الثورة المركز الثاني في دورة الألعاب العربية للأندية للسيدات بكرة السلة …