الشريط الإخباري

ما قبل الإشهار الإسرائيلي السعودي.. وما بعد غزة!!

لم يكن كشف العلاقة بين إسرائيل والسعودية يستحق كل هذه الدماء وهذا الخراب والفوضى والإرهاب في المنطقة, وقد نضجت الظروف للإفصاح عنها منذ زمن طويل، خصوصاً حين ترتبط في المفهوم الإسرائيلي بحصيلة يفاخر بها نتنياهو على الملأ، كأحد أهم نتائج عدوانه الوحشي على غزة.
لسنا بوارد النقاش فيها، وقد قدمت التطورات ما هو أبعد بكثير مما كشفت عنه التفاصيل، وأخطر مما تتضمنه العناوين على ما فيها، ولسنا بوارد حتى التعليق، لأن الجدل حولها عبث سياسي لا معنى له، ولن يقدم سوى المزيد من العبث، والتوقف هنا ليس قراءة في سرديات المشهد المغرقة في ساديتها، والموغلة في التشفي من الواقع العربي، والخديعة الكبرى باتت فيها حامية الكعبة مجرد بيادق على هيئة ملوك تستعير لغة النفاق إلى حدود الوهم بالدور والموقع والمكانة.‏
لكنها في سياق ما تفرضه من معادلات إضافية، وما تمليه من تغيير في لبوس هنا وربما رداء هناك، يقدم كشف الحساب الإسرائيلي الفارق القائم بين ما احتوته أقبية العقود الماضية وما يمكن أن تنطق به منابر اليوم والغد, بعد أن أفرغت في سلة الإسرائيلي وجعبة السعودي كشفاً نهائياً بمتواليات الدور الوظيفي، ومقاس الخدمات المجانية وغير المجانية المطلوبة لتعديل خارطة الإحداثيات في علاقة دول المنطقة ومحاور اصطفافها.‏
فبعد أن استكملت غزة الإضاءة على الجحور والأقبية السرية التي فضحتها متواليات الصقيع العربي، وأزاحت الستار نهائياً عمّا يعتمل في الصدر الأعرابي والإسرائيلي من توق للإفصاح عمّا يجول في الخاطر، فقدت اللقاءات السرية وهج اكتشافها، ما يملي خارطة جديدة من الحسابات والمعادلات التي تتصادم عمودياً وأفقياً مع تضحيات أهلنا في غزة وصمودهم الأسطوري في ساحة الرصيد الأخير من أوراق الدم والقتل والعدوان المحمول على أذرع الإرهاب الوهابي الصهيوني.‏
الفارق أن الإفصاح جاء بلسان إسرائيلي كان أكثر وقاحة في التعبير مما امتلكته ألسنة الأعراب, التي أدمنت على ابتلاعها كلما لاحت في الأفق بوادر أزمة, كاشفة للأوراق, فتفرد الملفات وهي تجيّر آخر ما ترسب في قاعدة تنظيماتها لمصلحة نصرة جبهتها المفتوحة على مصراعيها، حيث توحدت الأهداف وتلاقت المصالح وتقاطعت الغايات والأحلام والشهادات، وصولاً إلى الأدوار.‏
في محاكاة مباشرة وصريحة لم يعتد أحد على تصديق نتنياهو، وليس هناك من يعوّل على صدقه، وحتى الإسرائيليون أنفسهم لا يصدقونه، لكن ماذا عن السعوديين الذين يلازمهم الصمت المطبق وقد ابتلعت النشوة ألسنتهم، وهم يتابعون حديثه وإسهابه في المصالح التي تتعدد بتعدد الجبهات المفتوحة في المنطقة.. وتحديداً في غزة؟!‏
لا نعتقد أن أحداً لديه القدرة على انتظار الرد السعودي نفياً أو تأكيداً، بحكم أن نفي مثل هذه العلاقة يشكل تصديقاً لها أكثر من الاعتراف بها بحد ذاته، وهذا ما تترجمه حالة الهرج والمرج التي تتفشى داخل أروقة مملكة الرمال الداخلية، وفيهم من رفع عصا الاستعانة بإسرائيل بعد ان تخلت أميركا عن الدور والموقع الذي كانت تدير من خلاله خلافات العائلة المالكة من وراء الكواليس، وفي بعضها على المنصة مباشرة.. استبعاداً أو تحييداً.. تغييباً أو تجديداً.. استبدالاً أو استعادة.‏
ما يُتوقف عنده دون سواه هذا الخطاب الإسرائيلي في تعداد المنافع وفي تفصيل ما حصلته آلة العدوان الإسرائيلي، لأن ما قدمته من تنوع الوحشية يصلح للمقارنة وربما للقياس والاستنباط منه في جبهات داعش والنصرة، حيث الفظائع ارتكبتها طائرات الاحتلال أم سواطير الإرهاب من التنظيمات التكفيرية الوهابية، تشكل وجهين لعملة واحدة أساسها انكشاف الأدوار وتحديد الوظائف، وقد احتفظ كل طرف بنسخته الأصلية منها.‏
لا أحد اعترته الدهشة مما يفعله الإسرائيلي، ولا التفاخر بما حققه العدوان على غزة من تقوية للعلاقة مع الدول الوظيفية في المنطقة، فهو عدو لم يخف هويته يوماً ولا أطماعه، ولم يتوقف عن ممارسة العدوان والاحتلال، لكن من الواجب الإنساني والإسلامي تحديداً أن تُطرح الأسئلة الخائبة نفسها من منظور الفهم للدور السعودي، والذي يقتضي في الحد الأدنى تجريده أخلاقياً وسياسياً، وفي أقل الإيمان إعادة النظر بوجوده في الجسم الإسلامي والإنساني على حدّ سواء، بعد أن فقد أهلية الوجود، كما فقد مشروعية وصلاحية الاستمرار، كي لا نبقى في دوامة الحديث ماذا ما بعد الإشهار الإسرائيلي لهذه العلاقة.. وما بعد بعدها!!‏
بقلم: علي قاسم