المقاومة الفلسطينية تعزز انتصارها وقوات الاحتلال تغادر القطاع قبيل التهدئة

القدس المحتلة-سانا
جاء إعلان الاحتلال الإسرائيلي بأن قواته ستغادر قطاع غزة بشكل كامل قبل الموعد المقرر لسريان تهدئة مدتها 72 ساعة والتي بدأت منذ الساعة الثامنة من صباح اليوم بمثابة تعزيز لانتصار المقاومة الفلسطينية وثمرة لثبات الشعب الفلسطيني في مواجهة وحشية العدوان الإسرائيلي المستمر عليه.

وفي الوقت الذي نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي موتي الموز قوله “إنه كان هناك عدد من القوات في غزة.. ولكنها غادرت بأكملها” سارعت وسائل إعلام الاحتلال للعب بالأخبار والتحليلات محاولة تضليل الرأي العام ورفع معنويات مستوطنيها لتؤكد لهم أن خطوة سحب القوات من غزة لا تعني وقف العدوان الهمجي على القطاع إذ نقلت القناة الإسرائيلية الثانية عن مصدر عسكري إسرائيلي قوله في وقت مبكر صباح اليوم “إن القوات ستغادر قطاع غزة وتتمركز عند منطقة الجدار الفاصل لمراقبة التطورات” مضيفا “من وجهة النظر الإسرائيلية فإن العملية لم تنته والقوات تلقت أوامر بالرد على أي عملية إطلاق نار وستبقى على أهبة الاستعداد”.

ويعزو محللون متابعون للعدوان الإسرائيلي على غزة قبول سلطات الاحتلال بالتهدئة إلى العوامل الميدانية التي فرضت نفسها على الأرض والمقاومة القوية التي واجهتها قواتها من قبل الفصائل الفلسطينية وهو ما أقرت به وسائل إعلام الاحتلال كافة والتي اعتبرت أن “الحرب على القطاع لم تحقق أهدافها” منتقدة أداء “الحكومة الإسرائيلية” ومحملة إياها “هذا الفشل” ناهيك عن الخلافات الشديدة على المستويين السياسي والعسكري والتي وصلت إلى حد التلاسن بين عدد من الوزراء في حكومة الاحتلال ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بحسب تسريبات إعلامية إذ انتقدوا “طريقة أدائه وعدم اتخاذه قرارا بالقضاء على المقاومة والاكتفاء بوضع قرار تدمير الأنفاق”.

وهاجمت صحيفة يديعوت أحرونوت في مقال لشمعون شيفر تحت عنوان “الانسحاب إلى المجهول” قرار حكومة الاحتلال بمغادرة قواتها قطاع غزة أكدت فيه أن “التأييد لنتنياهو لن يطول كثيرا إذ تبين أنه شخص ضعيف يختار أهداف الجيش بحسب تصورات يصعب فهمها حتى لدى مؤيديه” معتبرا أنه إن كان هدف المقاومة الفلسطينية رفع الحصار عن غزة فإن “نتنياهو في مقابل ذلك يبني برجا ورقيا من أهداف تتهاوى أمام أعيننا”.

وفي السياق نفسه ولكن بطريقة أقل حدة انتقد بن كسبيت في صحيفة معاريف قرار السلطات الإسرئيلية في مقال حمل عنوان “قرار منطقي بسبب انعدام الخيار” إذ إنه وفقا لكسبيت فإن “نتنياهو اضطر للوقوف أمام الأمة لإعلان أننا انتصرنا أو سننتصر في وقت ما” ليعقب في مقاله قائلا “أشك كثيرا بأنه مقتنع بكلامه فنتنياهو ويعالون وغانتس يعترفون عمليا أنهم لا يملكون حلا ولا جوابا”.

وعبر كسبيت عن استغرابه من أنه “مع كل القوة التي يملكها الجيش الإسرائيلي” فانه لم ينجح في هزيمة المقاومة ولم يستطع أن يدفعها إلى وقف النار واصفا “قرار الانسحاب من القطاع بالهراء” وساخرا من أنه لا يمكن فهم شيء من “قرارات وقف العمليات البرية” ولا من أن نتنياهو يريد المقاومة الفلسطينية “مردوعة ومستضعفة” وإنه “قام بإضعافها لدرجة أن جنوب إسرائيل ينهار والناس يخافون العودة إلى منازلهم وأعمالهم تدمر والإحساس بالأمن مفقود”.

وعكس ما جاء في وسائل الإعلام الإسرائيلية حالة الارتباك التي يعيشها المسوءولون الإسرائيليون ومحاولاتهم خداع الرأي العام الداخلي لديهم بأنهم حققوا النصر على المقاومة الفلسطينية وأن التهدئة وسحب القوات لا تعني انتهاء العدوان الذي كلف جنودهم ومستوطنيهم الكثير بدءا من إخلائهم المستوطنات والعيش في الملاجئ وسط حالة هيستيرية من الهلع وصولا إلى الزيادة في أعداد القتلى والجرحى من جنود الاحتلال عما كانت عليه الحال في الاعتداءات السابقة التي شنها الاحتلال على القطاع ناهيك عن الفشل الذريع لمنظومة “القبة الحديدية” وتأكد افتضاح الضعف المتمكن في قوات النخبة الإسرائيلية خلال المعارك البرية ليضاف إلى سجل هزائمهم التي كبدتهم إياها المقاومة اللبنانية في كل عدوان شنوه على لبنان وهي التي رسمت الطريق إلى النصر محطمة كل أساطير القوة الإسرائيلية المزعومة.

ولم يكن جنود الاحتلال أقل خديعة من مستوطنيه إذ حاول مسؤولوهم العسكريون والسياسيون تصوير الدخول بريا إلى القطاع بأنه “نزهة” كما في كل عدوان يخططون للقيام به ولن تتعدى “النزهة” أياما معدودة لن يخدش فيها جندي إسرائيلي واحد في ظل فظاعة وكثافة الغارات الجوية المترافقة مع قصف مدفعي عنيف واستخدام أسلحة محرمة دوليا على المدنيين الفلسطينيين في القطاع بدعم دولي أقل ما يمكن أن يقال عنه إنه صفعة في وجه الإنسانية جمعاء.

وكما لم يكن أحد يتوقع وقوفا دوليا صارما في وجه العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وهو المغطى أمريكيا لم يكن بالمفاجئ ما نقلته صحيفة يديعوت أحرونوت عن وزير العلوم والتطوير في حكومة الاحتلال يعقوف بيري قوله إن عملية الجرف الصامد لم تنته ولا يمكننا التحدث بمصطلحات الانتصار لكن يمكننا القول اننا حققنا بعض الإنجازات وتكونت فرصة لاستئناف المفاوضات أو فرصة لعقد مؤتمر إقليمي لمناقشة وضع حد للنزاع” مضيفا إنه يأمل “باحترام اتفاق وقف إطلاق النار والذي سيؤدي إلى محادثات تسوية” مع من أطلق عليهم “المحور العربي المعتدل” مشددا على أنه “يتوجب على إسرائيل استغلال هذا المحور لمصلحتها”.

وفي وقت تناقلت مواقع انترنت ووسائل إعلام مختلفة تسريبات عن دعم خفي تقوم به بعض الأنظمة في دول عربية من ملوك ومشايخ للعدوان الإسرائيلي على غزة كان نتنياهو أكد في حديث صحفي منذ يومين أن الأمر المهم الذى حققته “إسرائيل” خلال العدوان على غزة هو العلاقة المميزة مع دول المنطقة واصفا العلاقات بين كيانه ومملكة آل سعود “بالجيدة” لوجود “مصالح مشتركة بين الطرفين”.

ويرى محللون أنه ما من داع للتساؤل عن المصلحة المشتركة بين الاثنين في تدمير شعب وسلبه أرضه وهويته كما يحدث على يد الاحتلال مباشرة في فلسطين وبشكل غير مباشر عن طريق المرتزقة الإرهابيين الذي يرسلون إلى دول في المنطقة بدعم مال وأسلحة وإعلام مشيخات النفط التي تمارس دور التلميذ النجيب الذي يؤدي وظيفته على أكمل وجه ليحصل على شهادة تقدير من معلميه في الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني فأقل الأسئلة الشائعة على ألسنة الشارع العربي لماذا لا يرسلون مرتزقتهم إلى غزة.

ووسط هذه الصور المتشابكة التي يحاول الإعلام الإسرائيلي بثها يصر بعض مسوءولي الاحتلال على إقناع الرأي العام بوهم النصر بينما يلجأ اخرون إلى الاعتراف بأن العدوان لم يحقق أهدافه حيث نقل موقع تيك ديبكا الإسرائيلي عما يسمى رئيس مجلس الأمن القومي السابق غيورا أيلاند تأكيده أنه ينبغي توضيح نتائج الحرب وهي أن “تعادلا حصل نظرا لغياب الحسم” وقال “المشكلة الأساسية هي أن عملية الجرف الصامد أوجدت ولأول مرة في تاريخ إسرائيل مشكلة لاجئين إسرائيليين فقدوا خلال الحرب بيوتهم وممتلكاتهم ولن يعودوا إليها”.

الموقع الإسرائيلي ذاته نقل عن مصادر سياسية إسرائيلية قولها بعد أن استفاض بشرح الأسباب “هناك فجوة كبيرة من عدم الثقة بين المستويين السياسي والعسكري من جهة وبين المستوطنين من جهة أخرى” مضيفة “هناك ظاهرة تبدو لأول مرة في إسرائيل وقد أوجدت وضعا جعل من المستوطنات مستوطنات أشباح وهذا يعد إنجازا جديدا للفلسطينيين”.

وأشار الموقع الإسرائيلي إلى أن “أكثر من ربع مليون من المستوطنين ليسوا مستعدين للعودة إلى المستوطنات التي سكنوا فيها من قبل لأنهم غير واثقين من تحقيق الجيش الإسرائيلي لأهدافه”.

إذا لا أحد يستطيع أن ينكر الواقع الجديد الذي فرضته المقاومة الفلسطينية على كيان الاحتلال الإسرائيلي بتنفيذ وعدها بأنه لن ينعم بالهدوء والأمن والاستقرار ما دام الشعب الفلسطيني لم ينعم بحقوقه فذاق المستوطنون الصهاينة مرارة التشرد والفقدان التي تفننوا في أساليب إذاقتها للفلسطينيين على مدى ستة عقود دون رادع من ضمير أو من مجتمع دولي نصبت بعض الدول فيه نفسها مدافعة عن حقوق الإنسان فالشعوب درجات عند هذه الدول بعضهم وجد ليموت خدمة لمصالحها وبعضهم يحق له أن يطغى ويظلم وفقا لمصالحه ومصالحها.

هي الصورة تتضح أكثر فأكثر بحسب ما يراه محللون راقبوا العدوان ونتائجه والتطورات الميدانية على أرض غزة بعد نحو شهر من التوحش والإجرام الإسرائيلي الفاحش بحق الشعب الفلسطيني في القطاع حيث لم تفلح قوة النيران بحرق إرادة الصمود والمقاومة ليكون النصر الفلسطيني تلو الاخر رغم الجوع والموت والخراب ووقوف العالم متفرجا على مأساته يعد شهداءه وجرحاه ويعيد في نشرات أخباره أنه يحتاج الماء والغذاء والدواء دون أن يجد طريقة تلزم الاحتلال الإسرائيلي بوقف اعتداءاته ويكون نصيب المستوطنين الخوف ومسوءولي الاحتلال التخبط أمام القدرة الهائلة للفلسطينيين في الدفاع عن أرضهم وحقهم بالوجود حتى النهاية ومهما بلغت التضحيات.