غادروا أرصفة أوروبا الباردة عائدين إلى الوطن… شباب سوري يميط اللثام عن أحلام الغربة وأوهام اللجوء

دمشق-سانا

في الوقت الذي قرر فيه الكثير من الشباب السوري السفر والبحث عن العمل والحياة الأفضل خارج الوطن بسبب الحرب الإرهابية التي يتعرض لها اتخذ آخرون قرارا معاكسا بالعودة إلى الرحم الأم للمشاركة في مواجهة الإرهاب والمساهمة في إعادة إعمار بلدهم بعد أن عانوا في الاغتراب ما عانوه ليدركوا آخر المطاف أن “لا حضن كفيلا ببث الطمأنينة والدفء في اوصالهم إلا بين أهلهم وناسهم”.

نماذج عديدة يمكن ذكرها هنا بينها أصدقاء خمسة ترعرعوا ونشؤوا في بلدة قارة في منطقة القلمون بريف دمشق والتي عانت الكثير على يد الإرهاب التكفيري قبل أن يتمكن الجيش العربي السوري من إعادة الأمن والأمان إلى ربوعها فبعد ان رأى هؤلاء ما ألم ببلدتهم جراء الإرهاب الظلامي اتخذوا قرارهم سوية بالسفر إلى أوروبا بعد طول تفكير بالوجهات الممكنة حالمين بأسلوب الحياة الجديد والمبهر الذي ينتظرهم ورغم أنهم تدارسوا فيما بينهم تفاصيل الرحلة الصعبة التي ستنقلهم إلى الارض المشتهاة إلا أن وصولهم إلى هناك ومن ثم حياتهم في تلك الأرض البعيدة جاءا مخيبين لتوقعاتهم فلم يجدوا أيا من الصور التي نسجها خيالهم على أرض الواقع.

جمال أحد الشبان الخمسة الذين صمموا على الهجرة بعد أن باع كل ما يملك لتأمين الكلفة المالية لذلك شأنه في ذلك شأن البقية ليبلغوا ألمانيا بعد 10 أيام تقريبا حيث بدأت الصدمات تتوالى واحدة بعد الأخرى على مدى شهور من الزمن كانت كفيلة باتخاذ قرار حاسم بالعودة حيث يقول جمال في حديث لنشرة سانا الشبابية “وصلنا إلى غرب ألمانيا بعد معاناة سفر صعبة و فقدنا كل ما نملكه في وطننا وكلنا أمل أن نحظى بفرص عمل مغرية كتلك التي سمعنا عنها لكن الواقع كان مختلفا تماما”.

وأضاف.. “وضعنا في معسكر مع خليط من اللاجئين وأمضينا ثلاثة أسابيع في جو مشحون بالشجار على الطعام والخدمات الأخرى وكل ذلك يعود للازدحام الذي أصبح أمرا عاما في كل مقاطعات ألمانيا بحسب ما أخبرنا به مسؤولو المخيم”.

لم تكن الأسباب السابقة هي الدافع الأساسي لكي يبدأ جمال بالتفكير بالعودة بل إن السبب الرئيسي لخصه بقوله “نقلنا إلى مخيم آخر حيث يقيم في كل خيمة 10 أشخاص ونصطف ساعة على طابور الطعام في كل وجبة وهناك التقيت بعشرات الأشخاص ممن أخبروني أنهم في ألمانيا منذ ستة شهور ولم يحصلوا على إقامات حتى اللحظة أو مساكن جيدة بحسب الوعود التي قطعت لهم”.

وتابع “وجدت أني سأمكث ستة شهور للحصول على الإقامة ومن ثم سأنتظر عاما أو أكثر لأبدأ إجراءات سفر عائلتي إلى هنا وسيكون أبنائي حينها نسوا شكلي لذا قررت العودة”.

اما صديقه فراس الذي عاد من ألمانيا بعد أن قضى فيها عشرين شهرا فيشير إلى أنه أمضى جل هذه المدة داخل غرفته في بلدة هوفلهوف الصغيرة شرق ولاية وستفاليا بألمانيا ساردا الأسباب التي دفعته لاتخاذ قرار العودة إلى سورية و أبرزها عدم العثور على عمل من أي نوع وهو الذي كان يعمل في بلده مهندساً معمارياً.

و قال “ذهبت مرارا و تكرارا إلى مكتب العمل ومصلحة الوظائف الشاغرة إنما دون جدوى وبحثت حتى في المطاعم والمصانع وورشات البناء وشرحت للناس أنه يمكنني العمل أيضا كمزارع وليس بالضرورة كمهندس معماري”.. عام وعشرة أشهر بقي فراس بدون عمل وهو ما أدخل الملل والتذمر إلى نفسه وبسبب ذلك إصابه المرض والكآبة كما أكد موضحا “أن اللاجئين يأتون إلى أوروبا معتقدين أنهم سيجدون جنة خارج اوطانهم يتوجون ملوكا فيها لكنني عندما جئت إلى هنا و رغم أن السلطات الالمانية سألتني عما أريده وأخبرتني بأنه بالإمكان الحصول على مرادي إلا أن كل تلك الوعود كانت محض اكاذيب”.

عندما قرر فراس العودة إلى سورية لم يحمل أي شيء معه سوى الملابس التي يرتديها وبعض قطع البسكويت ليأكلها في الطريق إضافة إلى أوراقه وتذكرة العودة حيث تنتظره عائلته لترافقه إلى البيت مختتما حديثه بالقول “أنا في حاجة إلى ممحاة لأمحي من ذاكرتي سنتين من الزمن قضيتها خارج بلادي”.

في السياق نفسه بينت الدكتورة سعاد طعمة المحاضرة في قسم علم الاجتماع في جامعة دمشق أن للاغتراب آثاره السلبية الواضحة على حياة المغتربين ولا سيما كبار السن الذين لم تعد لديهم الطاقة لتبديل تفاصيل حياتهم اليومية التي اعتادوها منذ عقود و ربما يكون الأمر أكثر مرونة لدى الشباب القادرين على التكيف مع الأوضاع الجديدة والمتبدلة لكن تحقيق ذلك يتطلب من هوءلاء الشباب تغيير الكثير من قناعاتهم واستبدال القيم التي تربوا ونشوءوا عليها بقيم أخرى دخيلة عليهم.

وقالت..” هذا الأمر ليس هيناً ولا سيما بما يتعلق بالمواضيع الاجتماعية ونظام العمل والالتزام ففي بلدنا بإمكان أي شخص ان يزور جاره او صديقه أما في الغرب فإن الموضوع مختلف ويخضع لقوانين اجتماعية مغايرة تماماً وبالتالي لا يمكن تشكيل الصداقات بسهولة و هذا ما يجعل الجميع منغلقون على أنفسهم ولا سيما تجاه الوافدين الجدد حيث تتعمق النظرة العدائية تجاههم والتي تعززها وسائل إعلامهم”.

من ناحيته رأى الدكتور عبد الله الشاهر استاذ في القانون الدولي” وعضو اتحاد الكتاب العرب والمفوض الاقليمي لجامعة مصر الدولية أن “الشباب الذين تم إغراؤهم بالهجرة كانوا يحلمون بأنهم سيحصلون على كنوز الدنيا لكنهم صدموا يوم خابت آمالهم وأجهضت أمانيهم فشعروا بأنهم كمن فقد حضن أمه بعد ان واجهتهم الهجرة بانيابها القاسية وحيث شعروا حقيقة بالمهانة والتشرد والضياع حينها ادركوا أنهم أجحفوا بحق أنفسهم ووطنهم فغارت أسباب الحياة بين أيديهم وبدت أحلامهم سراباً”.

ونبه الشاهر الشباب من الاستسلام لهذه الإغراءات قائلا “أقول للذين أوهمتهم أحلام الرحيل.. لن تجدوا اجمل ولا أبهى ولا احن من وطنكم فهناك ستظلون غرباء على أرصفة الشوارع الباردة ولن يكون لكم سوى جدران من ضجيج وواقع مرير وشعور بعدم الانتماء فوطنكم أولى بكم حيث ترتفعون بآماله وتتألمون لآلامه”.

وأكد أستاذ القانون الدولي أن الوطن بحاجة اليوم لكل ابنائه وهو لا يفرط بأي منهم موضحا أن “الوقائع التي يتعرض لها الشباب السوري جراء إقدامه على السفر تتكرر كل يوم وما من طريقة لوقفها إلا من خلال حملات توعية منظمة تشارك فيها جميع الجهات الرسمية والأهلية”.

ربى شدود

 

انظر ايضاً

عازف العود عدي رستم.. تجربة موسيقية حافلة بالمشاركات الفنية والدراسات التخصصية

حمص-سانا بصمة فنية خاصة تسم أداء الفنان الشاب عدي رستم في عزفه المتميز على العود …