رانيا كرباج.. تجربة خلاقة تحلق صوب العوالم الإنسانية بجناحي الشعر والتشكيل

اللاذقية-سانا

بين الشعر والتشكيل تتماوج موهبة فذة صقلتها الفنانة والكاتبة رانيا كرباج بكثير من الدراسة والاطلاع والتجريب لترصد من خلالها جملة الحالات الانفعالية والفكرية للانسان المعاصر ضمن منظومته القيمية المتصلة بالله والوطن والاخر لتسفر التجربة بعد اثنتي عشرة سنة من العمل عن ثلاث مجموعات شعرية وخمسة معارض فردية اطرت بمجملها لحالة ابداعية خلاقة اكثر ما يسمها هي تلك القدرة اللافتة على الابحار العميق إلى القعر الإنساني بكل ما فيه من مشاعر مختلطة وافكار متناقضة.

في هذا الجانب ذكرت كرباج في حوار مع سانا أن أعمالها تتأثر إلى حد بعيد بفن الايقونة ولاسيما الايقونة الحلبية التي تشكل جزءا مهما من تاريخ الفن المشرقي عموما و الحلبي على وجه التحديد حيث يظهر هذا التأثر جليا من خلال لوحات البورتريه التي ترسمها وخاصة تلك التي تجسد فيها صورة الأنثى بصفاتها الأصيلة و حالاتها الانفعالية والفكرية المختلفة في تفاعلها مع المحيط من حولها حيث تبدو الانثى في اعمالها متصالحة مع ذاتها و تحمل في داخلها الكثير من الصفاء والشفافية والحب.1

وأشارت إلى أنها انطلقت ومنذ بداية دراستها في معهد رولان خوري للفن التشكيلي في حلب من المدرسة الواقعية لتنتقل منها إلى الواقعية التعبيرية التي استقرت عليها بعد سفر من التجريب والانتقال في تيارات ومدارس اخرى كالتجريدية والتكعيبية وكل ذلك في إطار البحث المتواصل عن الذات وفي العوالم الداخلية للآخر الذي تستحضره الى اللوحة البيضاء عبر شخوص متنوعة ولو أن تركيزها الأكبر كان غالبا على المرأة الهادئة بعيونها الساكنة.

وقالت.. أقدم لوحاتي كما قصائدي بكل بساطة الأنثى وبكل أحلامها فأتجول في عوالمها الروحية التي عادة ما تطغى على اللوحة بكليتها مستخدمة لغة بسيطة تمكنني من التواصل مع فكر المتلقي ووجدانه دون اغراق في التفاصيل ايمانا مني بأن البساطة هي الجسر الذي يصلني بهذا المتلقي بعيدا عن الإغراق في التغريب والتجريد.

وتابعت أعمل في لوحاتي على تجسيد امتداد اللون واللحظة في عمق الروح الإنسانية المتعبة التي تنتظر الأمل على قارعة الأماكن كلها و لذلك يمكن القول أن الانتظار هو ما يطغى دوما على مشهدي البصري ولكنه انتظار معجون بالأمل ينبثق عبره الكثير من الأسئلة الوجودية والفكرية.

وبينت أنها تعتمد على التجربة و الاطلاع المستمر على ما يدور في عالم الفن لكن الأهم بالنسبة لها هو الاستقاء من المصدر الأساسي للجمال ألا وهو الطبيعة حيث يستطيع الفنان أن يبلور موهبته ويتمكن من الوصول إلى أدواته وبصمته الخاصة كذلك رأت انه يمكن اعتبار الرسم منقذا جماليا وأخلاقيا للعالم طالما أنه منفذ إلى النفس الصافية الأصيلة وبالتالي فهو طريق الى كل ما هو صادق والصدق هو السبيل الوحيد إلى بلوغ الجمال فنحن كما تقول الفنانة نرسم لنكتشف أنفسنا والعالم الذي نعيش فيه و لذلك فإن الرسالة الأهم والاسمى تتمثل في تقديم ذاتنا الأصيلة وعلاقتها بكل ما هو موجود حولها ببساطة وصدق.

من الناحية التقنية تعتمد كرباج كما لفتت على تقنية الألوان الزيتية الهادئة وورق الذهب و هو ما يساعدها على ايصال افكارها فنيا و تعبيريا وفكريا بأسلوب يجسد عمق الاحساس الداخلي و نضج المشاعر الانسانية التي تسعى لتكريسها عبر قدرة فنية واضحة لإيصال العديد من رسائل الحب التي تدفع بالمتلقي إلى وقفة تأمل إنساني وإلى حال من السكينة وهو يقرأ المشهد البصري أمامه.

وتنسحب التقنيات والأفكار نفسها على شعر كرباج حسب قولها في ثلاث مجموعات شعرية إصدرتها حتى الآن كان أولها في العام 2010 تحت عنوان “وصايا العطر” تلاها في العام 2012 ديوان أرض وورد أما أحدثها فقد صدر هذا العام تحت عنوان يدي ملطخة بالحب و جميعها عبارة عن شعر وجداني يحكي عن الإنسان والحب والطبيعة والله والوطن.

وأكدت أن القصيدة بالنسبة لها هي لوحة و اللوحة هي قصيدة و في هذا التمازج يكمن تأكيد متواصل على لغة الفرح والحب و ان كانت الأزمة الجارية في سورية صبغت الوانها و كلماتها بالحزن والألم لكنها تنتهي دائما إلى الرجاء والأمل.1

وذكرت أن شعرها نقل الكثير من الأفكار المتصلة بالمرأة وبالطفولة كما هو حال رسوماتها و تشكيلها الفني كما عملت في ديوانها الأخير على تجسيد ما يجري اليوم و نقل قيم الإنسان المتجذر في وطنه مهما قست الظروف من حوله والتي تجعل من إحساسه وعشقه يتعاظم يوما بعد آخر ليتحول هذا الحب إلى منفذ وحيد للخلاص.

وأوضحت أن المبدع يستطيع تقديم نفسه بصور واشكال مختلفة سواء في لوحة أو في قصيدة و إن اختلفت الأدوات و التقنيات فالطاقة الخلاقة في كلتا الحالتين هي نفسها انما تتبلور كل مرة بشكل مغاير للاخر فتارة تتجسد في خطوط و الوان و تارة اخرى تفصح عن ذاتها عبر دفق من الافكار التي ينتجها خيال الكاتب و تصوغها أدواتها الفنية.

يذكر أن الفنانة كرباج من مواليد مدينة حلب في سورية 1976 تخرجت من كلية الهندسة المدنية في العام 2000 قبل ان تنطلق في مسيرتها التشكيلية التي أسفرت حتى الآن عن خمسة معارض فردية و العديد من المشاركات في منتديات و مهرجانات و معارض جماعية منها مهرجان فنانات من العالم في حلب و معرض الفن المعاصر في إكسبو بيروت في لبنان عام 2002 كما شاركت في كل المعارض الجماعية التي نظمها مركز فتحي محمد للفنون في صالة تشرين في حلب منذ عام 2003 حتى عام 2007 الى جانب مشاركتها في المعارض التي أقيمت بمناسبة إعلان حلب عاصمة للثقافة الإسلامية عام 2006 و معرض الفنانين السوريين في غازي عنتاب في تركيا عام 2007 و سواها.

وشاركت كرباج في منتدى رأس المتن للرسم والنحت في لبنان عام 2002 ومنتدى اهدن للرسم في لبنان لثلاثة أعوام متتالية.

رنا رفعت