كي مون .. لا يفيدنا التصويب ولا ينفعك الاستدراك!!

لم يكن بمقدور الأمين العام للأمم المتحدة أن يحيل ما ارتكبه إلى خطأ في قراءة الجغرافيا، حين تعمّد تجاهل جرائم داعش وغيرها في سورية، ولا يمكنه أن يعتبرها زلة لسان، أو سوء تقدير، حين أدان جريمة قتل الصحفي الأميركي الثاني، دون أن يذكر جرائمها الأخرى.‏

ولا يستطيع السيد كي مون أن يفترض حسن النية وهو الذي تبرأ منها منذ اللحظة التي رضخ فيها للمشيئة الأميركية، ولا يمكنه أن يفسر ذلك على أنه يشمل الجرائم جميعها، بدليل أنه تخصص على المنوال الأميركي بإدانة ما تقوم به داعش في العراق، دون أن يتذكر ولو مرة واحدة ما قامت وما تقوم به على مدى سنوات نشوئها في سورية.‏

لكن بمقدوره أن يسجل أنه التزم التزاماً صارماً بحرفية التعليمات الأميركية والغربية عموماً التي لا ترى من جرائم داعش إلا ما تريد أميركا أن تسوقه، وبإمكانه أن يقدم القرينة على أنه كان الأكثر مقدرة على تجيير دور المنظمة والأمين العام للأمم المتحدة لترجمة الأجندات الغربية والأميركية، ونجح في ذلك على نحو ربما لم يضاهه فيه أحد من قبل.‏

قد يكون لدى الأمين العام ما يتذرع به حيال الكثير من القضايا الجزئية وبعض التفصيلية في مناح مختلفة، لكنه بالتأكيد سيكون عاجزاً عن تبرير ذلك التماهي مع الموقف الغربي إلى حد التطابق، وتحديداً فيما يخص مكافحة الإرهاب، والتي اعتمدت خصيصاً في قرار من مجلس الأمن، وأكثر عجزاً في الدفاع عن تبنيه وجهة نظر أميركا دون سواها إلى الحد الذي يردد فيه بشكل ببغائي ما يقوله الأميركي وما يرغب به.‏

في المشهد العام ربما يحتاج الأمين العام للأمم المتحدة إلى تصويب في الكثير مما أقدم عليه، لكن في الجوهر سيكون من الصعب عليه أن يجرد كل ما يحتاج منه إلى استدراك وما يتطلبه من تصحيح، حيث تبدو مسيرته الأممية من أولها وحتى آخرها متخمة بالمغالطات في السياسة وفي الدبلوماسية وفي المهمة الموكلة إليه، ودوره مترع بمطبات لا تحصى وأخطاء لا تعد، وما أقدم عليه لم يكن عبثياً، ولا هو في إطار الخلط الذهني أو التشويش الفكري، وهذا يقتضي في الحد الأدنى تفسيراً ومساءلة ربما عن أهليته للبقاء في موقعه.‏

فالأمين العام ليس رئيس منظمة أميركية، بل هو مؤتمن على المنظمة الدولية التي تضم كل دول العالم، وهذا يملي في الحد الأدنى إلماماً بالجغرافيا كما في السياسة، وأن يدرك مسبقاً أنه لا يوجد إرهاب حميد وآخر خبيث، أو أن هناك إرهاباً يدان وآخر تغمض العين عنه، ولا يوجد إرهاب تمارسه منظمة تصنف في المعيار الأممي على أنها منظمة إرهابية يدان في مكان ويغض الطرف عنه في مكان آخر.‏

المعضلة القائمة فعلياً مع الأمين العام للأمم المتحدة أن القائمة تطول واللائحة لا تنتهي عند حد معين، ولو أن الأمر اقتصر على مغالطة هنا أو هناك أو على هفوة أو زلة لسان لكان الأمر مفهوماً، لكن حين تكون في منهج وجوده وفي أسباب حديثه، وفي دوره، فلها وجه آخر وقراءة أخرى.‏

فإدانته للإرهاب هنا أو هناك لا تقدم ولا تؤخر، ولا يمكن التعويل عليها لا الآن ولا في المستقبل، ولم يكن هناك من ينتظرها أو يراهن عليها، لكن من المخيب والمحبط والمفجع أن يتعاطى رأس الهرم في المنظمة الدولية على هذا النحو، وبهذه الطريقة من التجني على الحقيقة، وأن تأخذه عدوى النفاق إلى هذا الحضيض السياسي الموجع، حيث لا ينفع التصويب ولا التصحيح ولا يكفي الاستدراك حتى لو اقتضى الاعتذار يوماً!!.‏

لا أحد لديه أوهام حول دور المنظمة الدولية ومحدودية مقدرتها، لكن في الوقت ذاته لم يكن أحد يرغب في أن يكون الأمين العام للأمم المتحدة في هذا المشهد المحرج، وإن كان كافياً في نهاية المطاف لكي يضع العالم غربه وشرقه النقاط على الحروف، بأن هذه المنظمة المصادرة في أشخاصها وطقوس عملها ليست مؤهلة لمكافحة الإرهاب، ولا هي بمستوى التحديات والمخاطر التي يولدها الإرهاب وتستولدها حالة النفاق الغربي، وعدواها التي تفشت في مفاصل القرار الأممي وشخص رأس الهرم فيها.‏

بقلم: علي قاسم