قتل على الطريقة الاسكندنافية

كم كانت مريبة مبادرة بعض الدول الأوروبية، لاسيما الاسكندنافية منها لإشراع بواباتها أمام تدفقات المهجرين من سورية، تحت مختلف العناوين والمسميات!.

وكان ارتيابنا آنذاك متأتياً من قوام السّير الذاتية التي “أهلت” أصحابها للعبور باتجاه مناطق لجوء خاصة، قيل حينها إنها ستحتضنهم في رحلة تأهيل وفق متطلبات تنموية ملحة تحول دونها الفجوات السكانية هناك، والنمو الديموغرافي السالب الذي بدا عقبة صعبة أمام مخططي السياسات الاقتصادية في هذه البلدان، فمن قُبلوا في سيناريو الهجرة والاستيعاب المزعوم شكلوا مفاجأة لكل مراقب، إذ تم استبعاد ما يتسق مع الدعوات الغربية التي حاولت استنفار أهلنا المسيحيين في الشرق للهجرة إلى أوروبا، فـ”الفائزون” بالاحتضان كانوا من خلفيات خاصة أو حتى بالغة الخصوصية، وكانت تركيا بوابة العبور الواسعة، حيث كانت تُنتزع من السوريين المنحدرين من أصول فلسطينية، تصاريح خطّية بالتنازل عن حق العودة، ونذكر أن هذه الحيثية كانت مثار استهجان كل من تابع أخبار الهجرة إلى “النعيم الموعود”، ونعترف أن الجدل حول هذه النقطة انعطف بانتباه الجميع عن جوهر “السخاء الاسكندنافي” المباغت، في زمن تشدد معهود من هذه الدول في قبول طلبات الهجرة التقليدية إليها؟.

ولم يلح المشككون حينها بسيناريو ردم الفجوة السكانية بتساؤلاتهم عن الدوافع، إلّا أن النتائج بدأت بالظهور تباعاً، وهاهي تصل إلى ذروتها هذه الأيام، من خلال متوالية أعداد الإرهابيين التي تصدرهم “دول الرفاه والسلام الكاذب” باتجاه المضمار السوري، تحت بند المقاصد “الجهادية”، وقد تحدّثت أحدث التقارير عن اعتلاء الدانمرك لرأس قائمة الدول المصدرة للإرهابيين إلى سورية تليها بلجيكا في التسلسل، وفي هذا إجابات شافية لكل من يستفسر عن ماهية وأصول المئات التي تعلن التقارير الاستخباراتية عن جهوزيتها للتوجه إلى سورية، ثم تغيب التفاصيل اللاحقة تماماً حول مآل هذه الملحقات بعصابات مصاصي دماء الأحياء والأموات على حدّ سواء، وأين كانوا يختبئون في بلدان ترصد تحركات الغرباء حتى في غرف نومهم؟!.

ولم تكن الدول الأوروبية الأخرى -خصوصاً بريطانيا وفرنسا- بحاجة إلى مثل هذه الفبركات القذرة، فلديها المزيد ممن تجهد كي “تتقيأهم” وتتخلص منهم، من كل الجنسيات العربية، أو المنحدرين من أصول عربية أو إسلامية، وثمة وقائع تجاذبات متفرقة أشعرت هذه الدول بخطر القوة الصاعدة للجماعات الإسلامية فيها، وبضرورة الإسراع في التخلص منها، فكانت سورية هي المناسبة والظرف الزماني والمكاني المناسب.

مع كل شجب أوروبي لإرهاب “داعش” نُرشق بدفعة جديدة من الإرهابيين من هناك.. ومع كل تلويح بمعاقبة الممولين، يتلقى “الدواعش” دفعة دعم أوروبي على الحساب، وبين الدعم المبطن والمعلن بذرائع إطلاق محتجزين، تتوارى مساعي خطب الود وتدجين أذرع الارتكاب حيث الطلب، وذرائع التدخل حيث مقتضيات المصالح المختلطة في المسارات الواصلة بين ما هو سياسي وما هو اقتصادي أو حتى ثقافي. فأي تجفيفٍ لمنابع الإرهاب هذا الذي “يلوك الحديث عنه مخاتير القارة العجوز”؟!، وأي حربٍ على “داعش” تلوح بها أوروبا وأمريكا، وهي تتحدّث عن ضربات جوية لا يمكن التعويل فيها على صحوات ضمير من لا ضمائر لهم لتردعهم عن تركيب وابتكار خلطات الإرهاب، كما أي خلطة من خلطات الفيروسات التي بعثروها في أصقاع العالم بواسطة “الطرود البريدية” المفخخة؟!.

من كل تلك المقدمات إلى كل هذه النتائج، لا نعتقد أن ثمة من يجرؤ على المراهنة والتعويل على ثرثرات الأوروبي والأمريكي في استدراك حمامات الدم التي تغلي بها المنطقة.

ومن يدعم القتلة هو القاتل في أعراف وأدبيات البشر الأسوياء، فمن حيث المبدأ لا فرق بين موزع مخدرات وبين بائع سجائر “بالمفرّق” أمام مدرسة للأطفال!.

بقلم: ناظم عيد

انظر ايضاً

الجولان في القلب بقلم: طلال ياسر الزعبي 

بعد مرور واحد وأربعين عاماً على قراره ضمّ الجولان العربي السوري، هل استطاع الكيان الصهيوني …