خطة أوباما.. الاستنزاف والإرباك

بالتأكيد، ليس من الممكن تقديم  صورة شاملة وكافية عما يحدث في المنطقة، وعليها، دون النظر إلى الإطار الأوسع للصورة عالمياً، وهذه الأخيرة تقول، بوضوح تام: إن واشنطن التي دخلت منطقتنا عسكرياً عام 2003 بحجة أسلحة الدمار الشامل الكاذبة لترسم معالم وخطوطاً جيوسياسية جديدة للمنطقة والعالم، تعود اليوم بحجة المحاربة الكاذبة للإرهاب الحقيقي لرسم خطوط حمراء حول خطوطها السابقة، فيما العرب، كما في المرة السابقة، غائبون عن أي دور حقيقي، نتيجة اقتصار وعيهم، وحلمهم، على حدود الكراسي التي يجلسون عليها.

بهذا المعنى فإن خطاب الرئيس الأمريكي بارك أوباما غداً حول “خطته”لمحاربة الإرهاب، سوف يقول في مضمونه، وبغض النظر عن عبارات إنشائية متوقّعة حول الإرهاب والحريات والدور الأمريكي الرائد في حماية العالم: إنه كما شكلت واشنطن في السابق “حلف الناهبين” لنفط العراق وثروات ممولي حروبها العرب، تُعيد اليوم، وبالأسماء ذاتها تقريباً تشكيل “حلف الراغبين” في حماية هذا النهب المستدام، وتضع أمامه مهمتين، الأولى ضيقة: وتتمثل بإعادة توجيه “داعش” لمسارها المحدد سابقاً باستنزاف قوى المنطقة، سواء أكانت ممانعة أم عميلة، والثانية موسعة: وتتمثل في دعم حراكها الدائم لإرباك القوى العالمية الجديدة، وقطع الطريق على إمكانية تبلور حلف آخر يشاركها في قيادة العالم، وهو ما يفسر التأجيج الدائم لنيران أوكرانيا، وإعلان حلف الناتو عن استمراره بالتوسع إلى شرق أوروبا بهدف محاصرة روسيا.

فالحروب الدائمة حاجة رأسمالية وجودية، وهذه الحاجة تفسّر أيضاً إعلان واشنطن بأن الحرب على “داعش” تستلزم سنوات عدة، لأن الاستنزاف يتطلب مدة غير محددة، وبالتالي سنرى “داعش” في المرحلة المقبلة، كما عبّر “أنتوني كوردسمان”: “يتمدد وينكمش على وقع السيناريو الذي يدفع دول المنطقة إلى معمارية استراتيجية محددة”.

وبالطبع فإن سؤالاً من قبيل: أين العرب من كل ذلك؟، هو سؤال عبثي بامتياز، فالعرب، وعلى الرغم من  خطورة ما سبق، أثبتوا، للمرة المليون، أنهم لم يخرجوا بعد من كهوفهم الفكرية و”الفقهية”، التي لم تر ضوء الشمس منذ قرون عدة، كما لم يتجاوزوا الخطوط الجغرافية والسياسية والنفسية التي رسمها لهم “سايكس وبيكو” منذ نحو مئة عام، وربما كانت صورة “العربي” وهو يقرأ متلعثماً، ربما بسبب الترجمة الرديئة عن الانكليزية، بيان العرب ضد الإرهاب، متجاهلاً، وجامعته، اتفاقية الدفاع العربي المشترك، خير دليل على وضع العرب في عالم اليوم.

فهذا الأردن، الذي تتحرك “داعش” على بعد خطوات منه، يقرر أنه لن يحارب حروب الآخرين، كما قال رئيس وزرائه، وبغض النظر عن ضيق أفق هذه المقولة، وعما كشفه أحد الباحثين بالأمس عن أن “الأئمة” في ثلاث محافظات أردنية، يتوجهون بالدعاء لـ “الخليفة” البغدادي، من على منابر المساجد التابعة لوزارة الأوقاف، إلّا أن سؤالاً بحجم الفضيحة يبرز في مواجهة هذا المنطق الملكي الغريب ومفاده: هل كانت حدوده المفتوحة، وأراضيه المشرّعة لمعسكرات التدريب، وغرف العمليات المشاركة في العدوان على سورية هي حربه الخاصة إذاً؟!.

أما “مملكة الرمال” فبعد فاصل كلامي تحذيري، انشغلت ببناء جدار على حدودها الشمالية، ناسية، من جهة، أن الجدران لا تنفع في هذا العصر، خاصة إذا كانت من رمال، ومغفلة، من جهة ثانية، حقيقة أن “دود الخل منه وفيه”، وبالتالي فإن الجدار الوحيد النافع والناجع لمواجهة الإرهاب، يجب أن يشيد على أنقاض سياساتها الإلغائية، و”فقهها” الوهابي، فهما، مع أموالها الطائلة، دعامة وأس وجود “داعش” وإخوته.

إذاً، المخطط الأمريكي واضح، الاستنزاف والإرباك، وبالتالي فالمواجهة، بالنسبة للمتضررين، ليست خياراً بين خيارات عدة، بل ضرورة وجودية مطلقة، وكي تكون ناجعة يجب أن تكون مساوية في الشدة ومعاكسة في الاتجاه، كما تقول قوانين العلم المعروفة، وإلا…

بقلم: أحمد حسن

انظر ايضاً

عصر التحولات الكبرى الجديدة بقلم: بسام هاشم

.. للمفارقة، فقد توجت “نهاية التاريخ” بتدمير نظام القطبية الأحادية نفسه، ليدخل عالم اليوم مرحلة …