مع اقتراب الاستفتاء حول استقلال اسكتلندا.. بريطانيا تعيش حالة ترقب وتخوف على مصير امبراطوريتها

ادنبره-سانا

مع اقتراب موعد الاستفتاء حول استقلال اسكتلندا يوم غد تعيش بريطانيا حالة من الترقب والتخوف من الآثار التي قد يترتب عليها نجاح المؤيدين للاستقلال في حصد نتيجة إيجابية في الاستفتاء.

وعلى الرغم من أن استطلاعات الرأي تشير إلى اشتداد المنافسة بين الفريقين المؤيد والرافض للاستقلال وترجح بعضها فوز الرافضين إلا أن الحكومة الاسكتلندية أكدت تمسكها بمطلب الاستقلال عن بريطانيا معتبرة أنه “فرصة سانحة لن يتخلى عنها الاسكتلنديون لتحديد مستقبلهم”.

ووفقا لما أظهرته ثلاثة استطلاعات للرأي نشرت مساء أمس فإن تقدما طفيفا للمعارضين للاستقلال حصد أربع نقاط حيث حصلوا على 52 بالمئة من الأصوات في مقابل 48 للطرف المؤيد للاستقلال ولكن بعد استثناء الناخبين المترددين الذين ما زالوا يمثلون شريحة كبيرة.

وبحسب المعطيات المنشورة التي أوردتها وكالة الصحافة الفرنسية سجل 2ر4 ملايين مواطن اسكتلندي أي 70 بالمئة من تعداد السكان البالغين أسماءهم للتصويت على ما إذا كانت اسكتلندا ستظل جزءا من المملكة المتحدة أم لا في محاولة لاستعادة استقلالها الذي حافظت عليه حتى منتصف عام 1707.

وفي محاولة لدعم موقف الرافضين لاستقلال اسكتلندا أصدرت الأحزاب البريطانية الثلاثة الكبرى مجتمعة بيانا رسميا مشتركا يعد الاسكتلنديين بتوسيع الحكم الذاتي لمنطقتهم في حال صوتوا لرفض الاستقلال.

ونشرت الأحزاب هذا الوعد الذي يؤكد على التزامات قطعت سابقا في الصفحة الأولى من كبرى الصحف الاسكتلندية ديلي ريكورد تحت عنوان “التعهد” في محاولة منها للتأثير على الناخبين حيث حمل النص توقيع رئيس الوزراء المحافظ ديفيد كاميرون وزعيم حزب المعارضة العمالي إد ميليباند ونائب رئيس الوزراء الليبرالي الديمقراطي نيك كليغ.

وأكد قادة الأحزاب الثلاثة أنه في حال رفض الاستقلال فإن المفاوضات حول نقل سلطات جديدة إلى ادنبره ستبدأ غداة التصويت وفق الجدول الزمني الذي سبق أن أعلنوه الأسبوع الماضي بعد تقدم الاستقلاليين في استطلاعات الرأي.

وأكد الزعماء الثلاثة أن الحكومة الاسكتلندية هي التي ستكون لها “كلمة الفصل” في تمويل نظام الصحة العامة في اسكتلندا وهو من المواضيع الكبرى التي هيمنت على الحملة والذي كان الاستقلاليون يعتزمون التركيز عليه مرة جديدة في حملتهم.

ووفقا للمراقبين فإن وضع زعماء الأحزاب البريطانية الكبرى الوعد بنقل صلاحيات جديدة إلى ادنبرة خطيا بشكل رسمي يهدف إلى إقناع الناخبين بأنه ليس وعدا جديدا لا مستقبل له كما يعتقد الكثيرون من أنصار الاستقلال في اسكتلندا وذلك بعد وعود عديدة لم يتحقق القسم الأكبر منها.

وجاء هذا النداء الثلاثي في صحيفة ديلي ريكورد بعد أسبوع شهد جهودا مكثفة من جانب قادة الأحزاب الثلاثة الذين توجهوا جميعا إلى الشمال لإبداء معارضتهم للاستقلال على الرغم من أن أيا منهم لا يحظى بشعبية هناك.

وفي هذا السياق حذر رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون مساء أول أمس خلال زيارة إلى ابردين في اسكتلندا من أن فوز مؤيدي الاستقلال في الاستفتاء سيكون “طلاقا مؤلما” موجها نداء أخيرا من أجل الوحدة في خطاب حافل بالمديح والتهديدات الصريحة والوعود.

وبحسب متابعين في لندن فإن البعض بدأ يبدي مخاوف حيال التنازلات الكبرى المعلنة من قبل الأحزاب البريطانية الكبرى باعتبار أنها قد تقود إلى “قيام فيدرالية” بينما وصل البعض إلى حد التحذير من “بلقنة بريطانيا”.

في المقابل وفي رد مباشر على هذا التعهد اعتبر رئيس الوزراء الاسكتلندي الذي يتزعم الاستقلاليين اليكس سالموند أن ما تم تقديمه مجرد “عرض فارغ في اللحظة الأخيرة” مؤكدا أنه “لن يثني شعب اسكتلندا عن اغتنام الفرصة السانحة له الخميس بتسليم اسكتلندا مستقبلها”.

وشككت نائبة رئيس الوزراء نيكولا ستورجون في صحة مثل هذه الوعود التي لا تقدم “أي ضمانات” معتبرة أنها تتراوح بين “التهديد والازدراء”.

ويشكل تنظيم استفتاء على استقلال اسكتلندا عن بريطانيا حدثا مفصليا في حال وافق الاسكتلنديون على الاستقلال حيث يمكن أن يشهد العالم نشأة دولة جديدة يرافقها إضعاف أليم لمملكة طالما اعتبرت نفسها دولة عظمى لا تغيب عنها الشمس وحاولت فرض نفوذها في مختلف مناطق العالم إضافة إلى أنه مهما كانت نتيجة الاستفتاء فستتغير علاقة إسكتلندا مع بقية المملكة المتحدة إذ إن الحملتين المعارضة والمؤيدة للاستقلال اللتين استمرتا 18 شهرا تركتا انقسامات مجتمعية بين الطرفين.

ويتخوف الكثير من المحللين من الانعكاسات السلبية المتوقعة لاستقلال اسكتلندا وخاصة في المجال الاقتصادي حيث تمثل مركز ثقل استثماريا واقتصاديا مهما لبريطانيا مشيرين إلى أن الشركات البريطانية الكبرى ستواجه “هوة سوداء” في حال فقدت المملكة المتحدة اسكتلندا حيث ستتجاوز الخسائر 100 مليار جنيه إسترليني أي ما يعادل 162 مليار دولار بالنسبة لهذه الشركات التي تضم بريتيش بيتروليوم ومجموعة لويدز المصرفية.

ويؤكد المحللون أن مشاكل كثيرة ستواجه بريطانيا إذا استقلت اسكتلندا حيث ستنشأ العديد من العقبات والصعوبات الاقتصادية نتيجة انهيار اتحاد عمره 307 سنوات في وقت بدأت أولى تداعيات هذا الموضوع في هبوط الجنيه الإسترليني إلى مستويات متدنية أمام العملات الأخرى مؤخرا بسبب احتمالات انهيار الاتحاد الذي تقوم عليه بريطانيا العظمى.