الحكمة فـي الحرب غيرها في الــســلم..!

التبسيط في فهم النص ظلم ميكيافيلي ونظريته في السلطة واختزال هذه النظرية في أن «الغاية تبرر الوسيلة» بمعنى أن حسن الغاية يبرر قبح الوسيلة. الحياة أحياناً تقبل هذا التبسيط ومنطقه وتفرض على صاحب القرار مثل هذا المنطق.

المعيار هو مدى تطابق السياسات مع الحالة، فلحالة السلم سياساتها ولحالة الحرب سياساتها. والميكافيلية المبسطة مقبولة في الحرب على الرغم من أنها منبوذة في حالة السلم والرخاء.

في حالة السلم من الصعب قبول وسيلة سيئة للحصول على غاية حسنة. هذا نوع من الانتهازية والوصولية على المستوى الفردي، وهو نوع من الحمق على المستوى الجمعي والاجتماعي. ومرد ذلك أن حالات السلم تتوفر فيها الخيارات إما من جهة الغاية أو من جهة الوسائل. وعندها تكون السياسات أشد ارتباطاً بالمبادئ والمواقف وإن كانت البراغماتية المحدودة ممكنة.

في حالة الحرب هناك منطق آخر، فالأحداث تشكل لوحة سريالية متداخلة الخطوط. والسياسات هنا تكون عملياتية أكثر ما هي مواقفية فخيارات الوسائل تكون شحيحة في خضم واقع يومي لا يرحم، مصبوغ بلون الدم ومدفون تحت تراكم التدمير. وهذه السياسات العملياتية أكثر صعوبة لصاحب القرار من السياسات المواقفية الشائعة أوقات السلم. السبب في هذه الصعوبة أن اختيار الوسائل السيئة لخدمة غايات حسنة يفتح الباب لغزو مخاطر متعددة وكبيرة لأن الآثار الجانبية للوسيلة السيئة تتطلب مهارة في كبح جماحها كي يبقى الحدث تحت السيطرة خدمة للغايات الحسنة.

يقدم لنا تاريخ الحروب الكثير من هذه السياسات العملياتية، إيجابياتها ومخاطرها، في الحرب العالمية الثانية اضطر تشرشل إلى التحالف مع عدوه اللدود ستالين لمواجهة هتلر، النتيجة الإيجابية التي خدمت تشرشل هي القضاء على النازية، لكن المخاطر الناتجة كانت كبيرة أيضاً، حيث وصل ستالين وجيشه الأحمر إلى نورنبرغ، متوغلاً في القارة الأوروبية غرب برلين ومسيطراً على شرق أوروبا ووسطها وجنوبها.

الحكمة في الحرب غيرها في السلم وقرار تشرشل كان حكيماً على الرغم من المخاطر لأن الغاية تبرر الوسيلة وسط ندرة خانقة في الوسائل، إن قرار سورية «بالتعاون مع أي جهة تحارب الإرهاب» بما في ذلك صانعة الإرهاب الكبرى واشنطن فيه حكمة ميكيافيلية ومخاطر ينبغي الانتباه إليها ودائماً كانت القرارات التاريخية تستند إلى حكمة محفوفة بالمخاطر على عكس «حكمة الرخاء»، إن استقراء سريعاً للأحداث النوعية في التاريخ التي غيّرت مجراه يؤكد حكمة المخاطر.

فالإسكندر المقدوني كان يتخذ قراراته في إطار حكمة المخاطر وكذلك جميع القادة الرموز على مرّ العصور.. هم صنّاع تاريخ لذلك حفظ التاريخ ذكرهم حتى اليوم.

بقلم: مهدي دخل الله