العصف الأممي..!! – صحيفة الثورة

لم تكن الجلسة الافتتاحية للجمعية العامة للأمم المتحدة خارج سياق المناخ الدولي المأزوم، ولا هي بعيدة عن المأزق الذي تواجهه العلاقات الدولية في ظل خلاصات أجمعت عليها كلمات الوفود على عواقب الفوضى التي تعيشها المنظمة بحكم أنها الحاصل الطبيعي لمجمل ما تواجهه دول العالم من أزمات عاصفة، بدت في جزء كبير منها نتاج الهيمنة ومحاولة الاستلاب التي تمارسها الولايات المتحدة الأميركية، وفي المتبقي منها خروج الخطاب الأميركي في السنتين الأخيرتين على الأقل من عقاله.‏

فجاءت كلمة الرئيس ترامب لتزيد الطين بلة، بعد أن أضحت حروبه التجارية والنزاعات التي ولدتها السياسة الأميركية أحد وجوه ((إنجازاته)) التي فاخر بها على الملأ من دون أي حرج، في وقت بدت التهديدات ذات اليمين والشمال واحداً من أخطر العوامل المهددة للأمن والاستقرار العالميين، حيث لم يكن العالم بحاجة إلى سرد كل هذه «الإنجازات» ليدرك حجم الكوارث التي تتهدده نتيجة السياسة المتهورة والعدائية التي ينتهجها الرئيس ترامب، والتي تثير الهواجس المشروعة لدى أغلبية دول العالم، والأمر لدى حلفاء أميركا أو أصدقائها قبل خصومها وأعدائها.‏

المعضلة أن الأمم المتحدة التي اعتادت أن تكون اجتماعاتها السنوية مناسبة لاجترار العصف السياسي، باتت تفقد تأثيرها، وفي بعض الجوانب تشهد تلاشياً مقلقاً، وما تبقى منه تكفل الخطاب الأميركي بسفك ماء وجهه، وباتت أمام أزمة مركبة ومعقدة، حاملها الأساسي التراجع المخيف في دورها والهيمنة الأميركية وحالة الاستلاب التي باتت تفيض عن الحاجة، مضافاً إليها الانصياع الغربي للتسلط الأميركي بطريقة باتت تشكل عبئاً على السياسة الأوروبية تحديداً باعتبارها كانت بؤرة النفاذ الأميركي والذراع التي مكنتها من ممارسة استلابها على الشعوب والدول، وأحياناً كانت الهراوة بيد الأميركيين لتنفيذ حروبها، وفي أقلها تحولت إلى ساعي بريد يرويج لتلك الحروب.‏

وفي زاوية محاذية للموقف الأميركي كانت بعض دول العالم قد حاولت أن تبدي تفهماً غير مبرر ولا منطقي للغة التعالي الأميركي وأن ترقب وجه الغطرسة الأميركية بشيء من المحاباة التي تزيد من المخاطر وتكشف حجم البشاعة المسكوت عنها، حين تصبح اللغة السياسية متخمة بلغة المهادنة، حيث الفرق هنا يتحول إلى تورم سياسي لم تكن لتتجرأ أميركا على البوح بمكنوناته ،ولا أن يفتخر رئيسها بالكوارث التي يتسبب بها في لغة خلت من كل أشكال الحياء وبفظاظة غير مسبوقة في التاريخ.‏

المواجهة التي تدرجت من الرفض الصريح إلى التحذير الشديد من عواقب السلوك الأميركي، وصولاً إلى تثبيت نقاط المواجهة العلنية على حلبات المنظمة الدولية، تفرض إيقاعاً عالمياً مختلفاً، وتخط إحداثيات مشهد دولي يترقب العالم بكثير من اللهفة والحماس ما ستؤول إليه نتائج المواجهة التي لا تزال محكومة بترسبات الغطرسة الأميركية التي تجعل من العبث التفكير بجدوى المطالبات التي خرجت إلى العلن لإصلاح المنظمة الدولية وما يقتضيه من مراجعات للنظام العالمي القائم من دون أن تقترن بفك الارتباط العضوي والبنيوي الأميركي، تمهيداً لإخراج المنظمة من أدراج المحفوظات الأميركية.‏

بقلم: علي قاسم