المنقذ الجبلي وسيم معروف.. مهارة سورية نادرة تجسد عشق الطبيعة

طرطوس-سانا

رغم أن العديد من الهوايات والرياضات تراجعت ممارستها في الآونة الأخيرة إلا أن الإنقاذ الجبلي من المهارات الصاعدة بشكل ملحوظ إلى الواجهة رغم صعوبة الظروف الحالية معلنة عن نفسها كاختصاص ذو مستقبل واعد مرتبط بتنشيط السياحة والاستثمار الأمثل للتنوع البيئي الذي تتميز به سورية.
ويمارس القلة من العارفين بمهارات الإنقاذ الجبلي هوايتهم في المناطق الجبلية ولاسيما في ريف طرطوس التي ازدادت فيها نشاطات المسُر البيئية والترفيهية المتفاوتة في درجات سهولتها ووعورتها وصولا إلى اعتبار المسير الصعب واحدا من التحديات الجذابة للجمعيات القائمة على هذه المسُر حتى باتت تقنية
الإنزال الجبلي أشبه بـ “الموضة الخطرة” التي تزيد الحاجة لوجود ملمين بتقنيات الطوارئ الجبلية.
ويكاد مدرب الإنقاذ الجبلي الصيدلاني وسيم معروف يكون من المختصين الأوائل بهذا المجال حيث خضع لدورة تدريبية حول إنقاذ الجرحى في أماكن الانحدارات عام 2007 وكان وقتها متطوعا في الهلال الأحمر العربي السوري وكانت الدورة بالتعاون مع منظمة الصليب الأحمر اللبناني لتنشأ لديه رغبة في التعرف أكثر على هذا العالم الذي يمزج بين الإلمام بالإسعافات الأولية واللياقة البدنية وخبرة استخدام تقنيات الإنقاذ الجبلي، فالتحق بدورة أكثر تخصصا في ألمانيا عام 2008 لينال شهادة مستوى متقدم في الطوارئ الجبلية ويبدأ بتأمين المعدات الاحترافية.

2ويشير المدرب وسيم في حديث لنشرة سانا الشبابية إلى “ندرة المنقذين الجبليين في سورية بعكس الدول التي أحسنت استغلال طبيعتها وأنشأت مؤسسات للطوارئ الجبلية تستفيد منها الفرق المحترفة أو الهاوية التي تمارس نشاطات المسر خارج المناطق المأهولة، تساعدها في ذلك منظومات طوارئ مختلفة منها ما يختص بالإنقاذ على الجليد أو الإطفاء أو بالبحث والإنقاذ”.
وأوضح أنه لم تظهر في سورية حاجة لمثل هذه المؤسسات لعدم وجود ممارسة يومية منظمة لهذه النشاطات واقتصارها على الهواة، مشيرة إلى أن الظروف التي تمر بها سورية جعلت من المسير النشاط الأكثر جاذبية وقابلية للممارسة في طرطوس، إلا أن ازدياد الراغبين بتعلم الإنزال الجبلي جعل مسؤولية مرافقة المنقذ لهذه الفرق أكثر إلحاحا.
وأضاف وسيم “إنه يدعى بشكل شبه إسبوعي إلى نشاطات المسر الجماعية نظرا للحاجة إليه كمنقذ وصيدلاني ومسعف، حيث يحاول دوما اختيار الفريق الأكثر حاجة إليه إما بسبب قلة خبرة أفراده أو كثرة عدد المشاركين أو وعورة المسير”.
ويشير وسيم إلى وجود عدد محدود جدا من الفرق القوية في سورية تمتلك ثقافة الطوارئ ولديها كادر متكامل ما يجعل الخروج معها أقل عبئا على المنقذ مع بقائه طرفا مهما في الاستشارة واتخاذ القرار المشترك الذي يعد مهما في حالات الطوارئ، موضحا أن الإصابات التي واجهته تراوحت بين الكسور وخلع الكتف، إضافة إلى حالات الجروح البسيطة والبليغة وحالات نقص الشوارد والصدمات الحرارية والغيبوبات المبدئية التي تم إسعافها جميعا بنجاح.
ولفت إلى أن مشاركته الدورية في رحلات الهواة أدت لتراجع بعض تقنيات الانقاذ لديه ما جعله يكثف الرحلات الاحترافية لتعزيز هذه المهارة التي تحتاج عناية كبيرة، ساعده في ذلك وجود أصدقاء يمتلكون أساسا معرفيا لا بأس به بالانقاذ الجبلي ويعملون على تنميته.

3ويؤكد وسيم أهمية تأمين التحضيرات الإسعافية في حقيبة شاملة تتضمن وحدات إسعاف الحروق والجروح والكسور وتوزيع اللوازم فيها بذكاء يضمن عدم تضررها بفعل الرطوبة والحرارة، إضافة إلى تجهيز الحبال ولواقطها والمحمل وأخذ كمية كافية من ماء الشرب والسكريات علما أن تعرض حياة أي فرد في المجموعة للخطر بسبب سوء الاستعداد يعرض المجموعة كلها للأذى مشيرا إلى أهمية المام مسؤولي الطوارئ بالإسعاف الأولي وصولا إلى أهم مراحله
وهو الإسعاف في الميدان، وتعلم فن السقوط الذي يمكن الشخص من اتقاء الأضرار جراء أي سقطة متوقعة بما يحمي عموده الفقري على وجه الخصوص.
وبين أن كل رحلة لا بد أن يسبقها تنبيه إلى ضرورة ارتداء اللباس المناسب مع عدم نسيان الأدوية الخاصة بالمشارك المصاب بمرض ما، مؤكدا أن حسن الاستعداد الدوائي والاسعافي يفوق في كثير من الأحيان الاستعداد الغذائي فالإنسان قادر على التغذي من البيئة المحيطة لكنه غير قادر على تصنيع دواء في هذه
البيئة.
وعن إيجابيات الإقبال على معرفة الاختصاص يرى المدرب أن الرغبة بالتعلم شيء جيد وخصوصا مع تزايد الاتجاه الى التفريغ المثالي للطاقات من خلال التكيف مع الطبيعة والعيش فيها ما جعل كثيرا من المهتمين يطلبون منه نقل خبرته إليهم موضحا إمكانية نقل المعلومة الإسعافية فقط لأن التدريب على تقنية الإنقاذ
مسؤولية كبيرة والمنقذ يحتاج الى شهادة ولياقة معينة وممارسة متواصلة لمدة لا تقل عن عام فضلا عن ضرورة تأمين جميع الأدوات اللازمة الخاصة به وهي مكلفة للغاية وتحتاج للتجديد من وقت لآخر.
وأكد وسيم ضرورة إنشاء مؤسسات خاصة بعمل الطوارئ في سورية توضع ضمن خطة الطوارئ العامة وتشكيل مجموعات بيئية سياحية على مستوى عال خاص بالمحميات او سياحة التزلج أو التسلق وهذا الأمر يتطلب وجود اختصاص الإنقاذ الجبلي حيث يتم تاهيل المنقذ على مستوى مؤسسات متكاملة قادرة على تأمين متطلبات التدريب والممارسة مؤكدا أهمية إيجاد نظام “التراكس” المعمول به عالميا والمتضمن إرشاد المهتمين إلى خرائط المسر بأنواعها المختلفة مقابل مبالغ مالية أو مجانا لجذب السياح والذين أكد العديد منهم وخاصة ممن يعملون في مجال الإنقاذ الجبلي انبهارهم بالتنوع البيئي في سورية.
ويوضح أن هذا التنوع يوفر العشرات من أفكار المسُر تتضمن المناطق التي تكسوها الثلوج شتاء كصيدنايا ومعلولا وكسب ومسر المغاور والبادية في السويداء ومسر المناطق الجافة والرطبة قرب نهر الفرات في الرقة والمسر الجبلية شديدة الوعورة في جبال اللاذقية وخاصة الجروف الضيقة في الحفة وصلنفة والمناطق
السهلية ذات الانحدارات الطويلة وأماكن الصعود المائل كما في طرطوس والمناطق الخضراء الواسعة كما في إدلب.
وبين أن ثمة سلبيات تتمثل في عدم وجود أدغال أو أماكن غير مأهولة وبعيدة باستثناء جبل “النسر” في كسب بمحافظة اللاذقية علما أن مثل هذه الأماكن تشكل تحديا كبيرا لعشاق الطبيعة إلى جانب انحسار الغابات بسبب التحطيب الجائر وخلو أغلب المناطق من الحيوانات بسبب حملات الصيد الجائر أو تغير طبيعة البيئة في
بعض المناطق ما قاد إلى اختفاء بعض أنواع الحيوانات كالسمندل المتربي على الماء العذب.
وأكد وسيم أنه بالتعاون مع الجمعيات البيئية العاملة على الأرض يقوم برحلات دورية الى اماكن يصعب الوصول لها حيث تتضمن الرحلة رصد مشاهدات دقيقة للتجاوزات بحق البيئة ونقلها للجهات المعنية للقيام برد فعل انقاذي ووقائي لما تبقى لكن المكافحة ليست على المستوى المطلوب بعد مشيرا إلى أن أكثر ما يخشاه هواة الطبيعة في سورية أن يأتي يوم لا يجدون فيه مكانا يسيرون فيه ويتمتعون بكل عناصره الطبيعية التي لم تمتد إليها يد عابثة.
رزان عمران