ترامب.. خدمات غير مقصودة

بالنظر إلى التخبّط السائد في الإدارة الأمريكية، والذي عكسته قرارات ترامب الاعتباطية، بدءاً بنقل سفارة بلاده إلى القدس، مروراً بتدخله السافر في شؤون فنزويلا، ومواصلة دعمه للإرهاب في سورية، وما خلفه كل ذلك من كوارث وارتدادات باتت مصدر قلق للعالم برمته، يمكن القول: إن الولايات المتحدة فقدت ناصية الإمساك بالقرار العالمي، وإن نتائج التدخلات جاءت لا كما يشتهي ترامب وحاشيته وحلفاؤه وأدواته، ذلك أن هؤلاء خسروا معركتهم في الميدان، ويحاولون الإبقاء على شيء من ماء الوجه، عبر نفخ عضلات أصيبت بالترهل جراء الهزائم المتكررة وعنتريات لا تعكس بالمطلق قوتهم على الأرض.

نعم تنتقل الولايات المتحدة الأمريكية من هزيمة إلى أخرى، وتحاول في كل مرة التعمية على خيباتها بفعل شنيع آخر يشغل العالم، ولكن النتيجة سقوط مدو آخر، لم تعد لمساحيق التجميل القدرة على إخفائه، فالحرب الناعمة حيناً والخشنة تارة أخرى، التي استخدمتها واشنطن، سقطت، ومحاولات تقمص دور المخلّص، مما تسميه “الديكتاتوريات” في العالم، أَفُلَتْ إلى غير رجعة، خاصة بعد استخدام سلاح العقوبات الاقتصادية الظالمة، مستفيدة من تحكمها بأسواق المال والأعمال، وهذا ما بدا واضحاً من خلال تجميدها أصولاً مالية بمئات المليارات من الدولارات لفنزويلا، وكانت كافية ليحيا الشعب الفنزويلي رغد العيش وتحقيق تنمية مستدامة، والحقيقة، فإن الديمقراطية والعدالة الاجتماعية تقتضي، حسب المنظور الأمريكي، إدخال مساعدات إنسانية مهربة تتضمن أسلحة عبر الحدود، وتعطيل المنظومة الكهربائية لشل البلاد وتأليب الشعب على قيادته الشرعية بهدف إيصال عميل لها إلى سدة الحكم يكون أنموذجاً يطبق في دول أخرى.

يعني ذلك أن أمريكا تمارس ذات الإرهاب، الذي استخدمته في سورية عبر التدمير الممنهج للبنى التحتية، ولكن هذه المرة بأسلوب آخر يؤدي إلى ذات النتيجة، وهذا حقيقة أدى إلى إرباك وقلق، لكنه لم يحقق الأهداف الاستراتيجية المرجوة، والتي تتلخص بإعادة أمريكا اللاتينية إلى ما كانت عليه كحديقة خلفية للبيت الأبيض، بعدما أدركت الحكومات المناهضة لسياسات واشنطن في تلك القارة حجم ما يحضّر لها مبكراً، وكانت على قدر المسؤولية الملقاة على عاتقها، حيث أن المخطط يشمل الجميع وهو مشهد “فوتوكوبي” مضاف إليه بعض الرتوش عمّا جرى في منطقتنا.

منعكسات الهزائم الأمريكية ترددت أصداؤها عند الأجير أردوغان بهزيمة مدوية في الانتخابات البلدية، ما يؤكد أن زمن التعمية على الحقائق وتزوير الوقائع وإخفاء شخصية الإخونجي ببدلة وربطة عنق قد ولّى إلى غير رجعة، كما حصل مع شعارات الغرب البراقة، ودخلنا عصر الانكشاف وصرف الانتصارات، وفق ما أفرزته مقتضيات الميدان، مقابل حصد محور الحرب نتائج الانكسارات وإنهاء عصر التغوّل الأمريكي والاستفراد بالقرار العالمي، وولوج عالم جديد متعدّد الأقطاب، فيما حكام ممالك ومشيخات النفط يقفون على لائحة انتظار ما سيملى عليهم من البيت الأبيض، وعليه فهم يغطون في سبات عميق، دلل عليه مشهد غفوتهم العميقة في “قمة تونس” العتيدة.

والحال، فإن حماقات ترامب وآخرها اعترافه بضم الجولان لكيان الاحتلال، والذي قوبل برفض قلما شهدناه من المنظمات والهيئات الدولية وكبرى الدول الباحثة عن طوق نجاة قبل غرق سفينة الأمريكي ومن معه ممن لايزال يكابر ويحاول التقليل من حجم الخسائر، قد وضعت واشنطن في عزلة من جهة، وكشفت بما لا يدع مجالاً للشك أن الأذرع الأخطبوطية الأمريكية في طور الانكماش والانكفاء داخل الحدود بعدما رمت واشنطن آخر أوراقها والمتمثلة باستخدام سلاح العقوبات الاقتصادية التي أحدثت إرباكاً إلى حد معين في الدول المستهدفة، لكنها أظهرت أمريكا على حقيقتها أمام الرأي العام العالمي وهذا مكسب يصعب على الإدارة الأمريكية الحالية وما بعدها تعويضه.. حقيقة أن ترامب يستحق الشكر على أفعاله والتي قدّم من خلالها خدمة للعالم عن غير قصد.

عماد سالم