رسائل إلى من يهمه الأمر

يمكن وضع زيارة نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، المرتقبة، إلى سورية في سياق التعاون والتنسيق والتشاور المستمر بين البلدين الصديقين إزاء ما يحدث في المنطقة، لبلورة موقف مشترك وواضح من مجمل ما يجري على الساحتين الإقليمية والدولية، خاصة أن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها وأدواتها في المنطقة يحاولون خلط الأوراق من جديد، ووضع العصي في عجلات أي جهود خيّرة لتقريب وجهات النظر لإيجاد حل للأزمة السورية، بما يلبي طموحات الشعب السوري بالانتقال نحو مستقبل أفضل بعيداً عن التدخلات والإملاءات الخارجية، وحسب الأولويات، التي يأتي في مقدمتها مكافحة الإرهاب.

كما تحمل في طياتها رسائل إلى من يهمه الأمر بأن علاقات الشراكة الاستراتيجية القائمة بين سورية وروسيا ندية ومتينة، وخارج المساومات والصفقات، ولا يمكن أن يعكر صفوها ازدياد حجم التحديات، وأنهما، مع العراق وإيران ودول البريكس، في خندق واحد، لأن ما يحدث في العالم من فوضى يستهدف الجميع.

وتكتسب زيارة بوغدانوف في هذه المرحلة أهمية خاصة، بعدما أعلنت روسيا نيتها استضافة جلسات حوار سوري-سوري تجمع الحكومة السورية مع المعارضة الوطنية، والتي تمّ النقاش حولها أثناء زيارة وزير الخارجية والمغتربين وليد المعلم قبل أيام إلى روسيا، والتي أكدت أيضاً عمق العلاقات الاستراتيجية بين البلدين الصديقين، واستمرار روسيا بموقفها الداعم لسورية في مواجهة الحرب الظالمة التي تشن ضدها، ووضع تصوّر مشترك للجم الخطر الإرهابي المتزايد الذي يهدد أمن العالم برمته، وتراهن عليه بعض الدول الغربية والإقليمية والعربية لإحداث تغيير يلبي طموحاتها ويخدم مصالحها، هي وليست مصلحة الشعب السوري.

وعليه فإن ما تسعى إليه موسكو من خلال حراكها السياسي والدبلوماسي على أكثر من محور هو العمل على بلورة حل يتلازم فيه السياسي مع العسكري في الميدان، فكما بات معلوماً للجميع أن ما حاولت الدول الغربية تمريره في سبيل إسقاط سورية هو الاتكاء على مطالب شعبية قامت الحكومة السورية بتلبيتها منذ الأيام الأولى لاندلاع الأحداث، ولم تجد لها أي صدى عند الدول المشاركة في التآمر عليها، حيث كشفت تطورات الأحداث أن المطلوب تنفيذ الأهداف الصهيوأمريكية، وليس غير ذلك، وأن الشعارات الإنسانية التي ما فتئت تتلطى خلفها الدول الغربية هي لتسهيل تمرير المخططات التدميرية، وبالتالي فإن وجهات النظر بين سورية وروسيا متطابقتان في هذا الشأن، فمكافحة الإرهاب أولوية في أي حل، والحفاظ على المبادئ والثوابت الوطنية واستقلالية القرار خارج أي نقاش، وللشعب السوري وحده حرية تقرير مصيره، وهذا ما عودتنا عليه موسكو في علاقاتها مع سورية خلال عقود من الزمن، والتي تقوم على أسس مبدئية عمادها الندية والاحترام المتبادل، وإقامة عالم متعدد الأقطاب يكون ضمانة لتحقيق العدالة في العلاقات الدولية.

إن زيارة المبعوث الروسي إلى سورية تأتي في سياق حراك دولي وإقليمي لإيجاد حلول للأزمات في سورية والمنطقة، فمبادرة المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، والمؤتمر الدولي في طهران لنبذ العنف والتطرف، بمشاركة 40 دولة، والاتفاق السوري الإيراني العراقي على مواصلة التنسيق في مكافحة الإرهاب، فرصة لبناء تحالف دولي حقيقي وجاد لمكافحة الإرهاب، في مواجهة “التحالف” الغربي، الذي وجد في تمدد الإرهاب وتغوّله فرصة للاستثمار فيه لاستنزاف ثروات المنطقة.

جملة ما تقدّم، والتضحيات التي قدّمها السوريون في مواجهة الإرهاب، وتجنيب المنطقة والعالم ما لا تحمد عقباه، يؤكد على دور سورية المحوري في المنطقة، وعبرها سترتسم ملامح عالم جديد، تكون فيه لاعباً أساسياً، وتواصل دورها المحوري كمحافظ على الهوية وخط الدفاع الأول عن المبادئ والحقوق العربية.

عماد سالم