وإن غــــداً

ليس صدفة على الإطلاق تزامن العدوان “الإسرائيلي” على الأراضي السورية، مع طلب “عواصم الحريات وحقوق الإنسان” -أنقرة والرياض والدوحة- فرض منطقة حظر جوي، وأيضاً مع رفض “ائتلاف” هذه العواصم المشاركة في لقاء موسكو التشاوري، ومع، أيضاً وأيضاً، إطلاق واشنطن النار على “اللقاء” بإعلانها إرسال أكثر من 1000 عسكري لتدريب وتجهيز من تسميهم بـ”المقاتلين المعتدلين”.

والحال فإن إغلاق أي كوة تفتح في جدار الأزمة لحلها سلمياً عبر حوار بين السوريين أنفسهم، هو هدف “سامٍ” وسامّ في الآن ذاته للإدارة الأمريكية وأتباعها، من قادة الكيان الوظيفي “الإسرائيلي” إلى “الدمى” التي تعتلي بعض كراسي الحكم في عصر الردة العربية هذا.

بهذا المعنى، وبغض النظر عن الدوافع الانتخابية الداخلية “الإسرائيلية”، وهي موجودة، يمكن، ويجب، قراءة العدوان “الإسرائيلي” باعتباره حلقة في مسلسل التصويب على فكرة لقاء موسكو باعتبار أن الفكرة، بحد ذاتها، خطوة قد تؤسس، مع غيرها لاحقاً، لمسار ينتهي بإبعاد البلاد عن طريق عاصفة “الفوضى الخلاقة”، التي اكتشفت مؤسسات “الثينك تانك” الأمريكية، وهي في حقيقتها مؤسسات دمار شامل، أنها المناخ الوحيد الذي يسمح لواشنطن بإدامة السيطرة الأحادية على العالم، عبر إغراق وإرباك دوله قاطبة، سواء كانت حليفة أم عدوة، بمشكلات وأزمات متلاحقة متلازمة وليس لها من نهاية أو حلول.

وبعيداً عن أحاديث “ربع الساعة الأخيرة” وغيرها، من قبيل اضطرار الأصيل لدخول المعركة نتيجة فشل الوكيل، لتحليل دوافع العدوان على صحتها – التحليلات – فإن المواجهة يجب أن تكون من جنس التحدي، وبالتالي فإن رفع الحوار الداخلي إلى مرتبة “فرض عين” هو أمر له الأولوية الوطنية المقدّسة على كل ما عداه، ويصبح الذهاب إلى موسكو لـ “مناقشة الأسس التي سيقوم عليها الحوار، عندما يبدأ، مثل: وحدة سورية، ومكافحة المنظمات الإرهابية، ودعم الجيش ومحاربة الإرهاب”، جزء أساسي من المواجهة، أما انتظار البعض لتحقق “الشروط الذاتية والموضوعية” للحوار، فهو لا يخدم في المحصلة، بغض النظر عن النوايا، سوى قاطعي الرؤوس، والدول التي لا ترغب بقيامة سورية من محنتها قوية متعافية.

بيد أن للمعركة – وتلك حقيقة عمدتها دماء السوريين – جانباً لا يحسمه الحوار فقط، بل الميدان أولاً وأخيراً، وللميدان حقيقته الخاصة أيضاً، ومفادها أنه من الممكن لأي كان أن يبدأ حرباً، وقد بدؤوها، وأن يتحكم ببعض مساراتها، وقد فعلوا، لكن نهايتها لن تكون إلا كما يريد رجال علمتهم التجربة أنه “إن لم تشهر سلاحك من جرحك الدامي صرت رقيقاً في سوقِ نخاسةٍ لا تعرف الرحمة”. وهؤلاء الرجال، بصمتهم البليغ -وهو أكثر مدعاة للحيرة والإرباك في صفوف العدو- يقولون اليوم: إن الرد قادم لا ريب فيه، ويؤكدون بتمازج دمائهم الطاهرة، حقيقة كبرى حاولت بعض أقلام النفط الأسود التعمية عليها منذ حرب تشرين التحريرية وحتى اليوم، ومفادها: إن الجبهة واحدة، وأنه لا خلاص حقيقياً للمنطقة وأهلها، ما لم يتصدوا لعدوين متلازمين متكاتفين متعاضدين، كما أثبتت الأحداث السورية، وهما الاحتلال “الإسرائيلي” الاستيطاني العنصري للأرض، والاحتلال التكفيري الوهابي للعقول.

وبلاد الشام برجالها وتاريخها الحضاري التنويري والمقاوم هي المؤهلة الأولى لذلك، وهي جاهزة أيضاً، وإن غداً، بل اليوم، لناظره قريب.

بقلم: أحمد حسن