مقاربات العدوان.. زوايا اشتباك مفتوحة

يستكمل قوس العدوان حضوره السياسي والميداني بدءاً من عودة ثالوثه قطر وتركيا والسعودية إلى نغمة الحظر الجوي.. وصولاً إلى العربدة الإسرائيلية الأخيرة في القنيطرة، مروراً بجولات ماكين لاستنفار أدوات دعم الإرهاب والبحث عن مخارج للمأزق الذي تواجهه أطراف العدوان.

في الاستيضاح السياسي المرافق لحالة الأدوار الوظيفية والأساسية، لم يكن الدخول الإسرائيلي على الخط العدواني مفاجئاً في التوقيت، رغم ما ينطوي عليه من رعونة وحماقة سياسية وعسكرية على حد سواء، بحكم أن المقاربات التي قدمتها أروقة القرار الأميركي وعملية تدوير الزوايا وصلت إلى الحائط المسدود.‏

واقتضت ضرورة الخروج من نفق الإفلاس البحث في الزوايا الاحتياطية عن عملية تحريك للمياه الراكدة، أمام خيارات أبدت حالة من الاستعصاء غير مسبوقة في سياق ما واجهته من انتكاسة في حسابات المرتزقة، الذين وجدوا أن بيدر معادلاتهم لا يتطابق ولا يمكن أن يجاري حصاد الحقل الإرهابي المتراجع والمنزوي في سراديب الأخطاء المتراكمة فكان لا بد من خلط الأوراق.‏

العدوان الإسرائيلي أعاد بالتأكيد رسم مطابقة جديدة بتنفيذ عملية مداورة على مختلف جبهات التخطيط العدواني، باعتباره يعيد ترتيب أدوار الآخرين وفقاً لمقاس الحاجة، وربما بمقدار المساحة التي تحددها أولوياته، وهذا ليس وليد الأحداث الحالية بقدر ما كان نمطاً عاماً يتم التعاطي معه منذ لحظة وجود الكيان العدواني على الأرض العربية بالتزامن مع الأدوار الوظيفية للدول الناشئة وفق إحداثيات سايكس بيكو.‏

السلوك الإسرائيلي في العربدة الأخيرة لم يختلف كثيراً عن مقاسات دوره، لكنه اكتسى إضافات واضحة غير مطروقة سابقاً في إطار البحث عن مهمات عاجلة، حين اقتضى التوقيت أن يكون التدخل الإسرائيلي في لحظة حرجة على مشغلي المشروع الأميركي وأدواته، التي تتقاذفها الخلافات والاختلافات وتخيم عليها حالة اليأس، بعد أن أيقنت بأن بقاء إسرائيل في الكواليس أو على الجبهات الخلفية لم يعد يؤدي وظائفه، ولا يكفي لمواجهة تداعيات اندحار الإرهاب ومشغليه في السياسة والميدان.‏

قد لا يكون الدخول الإسرائيلي على خط دعم الإرهابيين والمرتزقة جديداً، ولا هو خارج التداول العلني، لكنه في سياق الاستهداف كان أبعد من حدود المشاركة العملية والانخراط المباشر في جبهات المواجهة، لأن العدوان الأخير يفتح تلك الجبهات، ويدرك الإسرائيلي ومعه الأميركي بأن الاحتمالات باتت مفتوحة على مصراعيها، وكل قواعد الاشتباك قد تعدلت، وباتت تخضع لمعايير مختلفة لا تغيب عن الذهن الإسرائيلي، ولا هي بعيدة عن الحسابات الأميركية أيضاً.‏

هذا يقود بالضرورة إلى أن الإسرائيلي أقدم على عدوانه، ولديه أجندة أخرى ويشاطره الأميركي ذلك، رغم التفاوت في لائحة الأهداف أميركياً وإسرائيلياً، فإنها متطابقة مع الرغبة الإقليمية من رعاة الإرهاب ومموليهم، وهو ما كان واضحاً في ردود الفعل التي كانت مشجعة، وإن جاءت بلغة الصمت المطبق كما هي العادة، وما خرج منها كان في الكفة الإسرائيلية، وبعضها ربما تقدم على الإسرائيلي في عدوانيته وحماقته وتهوره.‏

وفق هذه المعطيات كان نتنياهو يدفع بأوراق تأزمه الداخلي إلى الخارج، ويقود متاهة المأزق وما يواجهه نحو التأجيل، بحيث يحصد النقاط الانتخابية التي هو بأمس الحاجة إليها، ويرمي بها في وجه خصومه كورقة مؤجلة في الحسابات الإسرائيلية وإن كانت غير مستبعدة.‏

الواضح .. أن إسرائيل مرة أخرى تعرف كيف تشعل النار، لكنها لا تستطيع أن تطفئها بالعدوان ولا أن تخمدها بالعربدة ولا أن تحاصرها بالحماقة والتهور، وإذا كانت تستغل المناخ السائد في انشغال المنطقة بالمواجهة مع الإرهاب لكي تمارس عدوانها المفتوح، فإنها ترتكب حماقة إضافية، وإذا كانت تعوّل على تجاربها السابقة، فإنها أكثر من يدرك بأنها تجارب فاشلة وبامتياز، ولا يمكن التعويل عليها لاختلاف الظروف وتبدل أوراق المعادلة الناظمة لقواعد الاشتباك.‏

إن مواجهة الإرهاب في سورية وغيرها لا تعني عدم وضع العدوان الإسرائيلي في قائمة الأولويات، وتحت الأنظار، وهذا ما تعرفه إسرائيل قبل غيرها، فحين تتغير المعادلة ثمة متغيرات بالضرورة تفرض نفسها، وفي مقدمتها أن هذا العدوان لن يمر دون تداعيات.. وفي مقدمتها انزلاق المنطقة، وماهو أبعد من المنطقة على صفيح ساخن وغوص وسط هشيم مشتعل.‏

لن يقتصر على تعديل جزئي هنا أو تغيير موضعي هناك بقدر مايرسم معادلات جديدة ويخط زوايا اشتباك بمعايير مختلفة.‏

بقلم: علي قاسم