نهاية المعارضة اللا وطنية

في الأزمات الكبرى، تكتسب بعض المفاهيم أهمية بالغة، منها، في الأزمة السورية، مفهوم «الوطنية» الذي يُعد مفتاحياً لفهم الأزمة، وتقييم أطرافها السورية، ولاسيما المعارضة التابعة إقليمياً، ودولياً.

فإذا عرّفنا الوطنية بأنها التمسك باستقلال، وسيادة الوطن، والإخلاص له، والحرص على أمنه، واستقراره، ومصالح شعبه، أمكن القول، دون تردد: إن المعارضة التابعة التي تأتمر بأوامر بعض القوى الدولية، والإقليمية هي معارضة لاوطنية، ولا قيمة مطلقاً لرفض تلك المعارضة ما ترى فيه تهمة باطلة، فكل الدلائل تؤكد تبعيتها، وتبنيها أجندات خارجية، وليست فضيحتها المدوية في مؤتمر جنيف1، بمونترو، وهي تردد ببغائياً ما يصلها مكتوباً على قصاصات السفير الأمريكي السابق في سورية روبرت فورد، إلا غيضاً من فيض هذه الدلائل التي لا معنى إطلاقاً لإنكارها، أو التذرّع بأنها شكل من أشكال التعاون!.. فشتّان ما بين الارتهان للخارج، وبين التعاون معه لتحقيق مصالح مشتركة في إطار من الندية، وحرية الإرادة، واستقلالية القرار، ومن هنا ضرورة التمييز الدقيق بين المعارضة الوطنية التي تختلف في رؤيتها السياسية مع الحكومة، وبين الدمى التي تحرّكها الأيادي الأجنبية، فهذه لا يمكن للمنطق الوطني، فضلاً عن المنطق السليم، أن يقبل التحاور معها!.

وفي ارتباط وثيق بمفهوم الوطنية، يأتي مفهوم الشعب الذي دأبت المعارضة اللاوطنية على التحدث باسمه، وتنصيب نفسها ممثلاً له، ومدافعاً عن مصالحه، مع أن الوقائع تثبت، بما لا يقبل الشك، أن انخراطها في تنفيذ مشروع تدمير الدولة، ودعم الإرهاب، هو أحد أسباب المأساة الإنسانية لأبناء الشعب السوري الذي يذرفون عليه دموع التماسيح، وهم مسؤولون أخلاقياً، وقانونياً، وسياسياً عن الجرائم الإرهابية الفظيعة التي ارتُكبت، وتُرتكب بحقه.

ولو كانت هذه المعارضة تحترم إرادة الشعب السوري، وتسعى صادقة لخدمة مصلحته، كما تزعم، لرضيت بالاحتكام إلى قراره الحر الذي طالما أصرّ السيد الرئيس بشار الأسد على أنه القرار الفصل- من خلال الاستفتاء- في أي اتفاق بين السوريين.

حقيقة الأمر أن الصراع في سورية، ومنذ أن بدأت الأزمة فيها، هو صراع بين القوى الوطنية، حكومة ومعارضة، والتي تضع استقلال سورية، وقرارها السيادي فوق كل اعتبار، ولا ترضى بأي حل إلا تحت سقفه، وبين القوى اللاوطنية التي تسعى سعياً محموماً إلى وضع سورية تحت الوصاية الإقليمية، والدولية، والتي لا ترى مانعاً من الوصول إلى السلطة عن طريق التدخل العدواني العسكري للناتو، وأمريكا، والكيان الصهيوني.

لكن، من الواضح، اليوم، أن صلاحية هذه المعارضة قد شارفت على الانتهاء، بالرغم من أنها مازالت تعتقد- لفرط سذاجتها- أن الاستقواء بالخارج سيوصلها إلى هدفها، أقلّه المشاركة في السلطة، ممثلة لأعداء الخط الوطني، والقومي، الرسمي، والشعبي في سورية، مع أن كل الدلائل تشير إلى أن حالها الحقيقي لا يختلف عن حال «الذاهب إلى الحج والناس راجعة»!.

بقلم: محمد كنايسي