جحافل «الجلالة» في تمهيد قسري

لا يدخل حديث البحرين عن إرسال «قوات» إلى الأردن لدعمه في مواجهة داعش في سياق النكتة السمجة على ما فيها، بقدر ما يرسم معالم المهزلة التي تجاري في مفارقتها الزمن الرديء الذي وصلت إليه الأمور، حيث المسألة لا ترتبط بسياق المحتوى بل في جوهر الدلالة التي باتت فيها البحرين تنفخ في رماد معاهدة الدفاع العربي المشترك، على ذمة بيان ممهور من بلاط «الجلالة» ولو جاء على لسان آخر.‏

ورغم أن الإمارات سبق لها أن أعلنت عن مرابطة طائراتها في المطارات الأردنية في سياق البهرجة الإعلامية والدعم المعلن من قبل التحالف الأميركي، فإن الإعلان البحريني عن إرسال قوات بات يُصنّف في غرائب السياسة التي تتحفنا بها مراهنات الغرب وأدواته الوظيفية أو التنسيقية في المنطقة على المعيار الأميركي، الذي يحدد السياقات كما يصنف المسموح والمحظور في عالم أشبه بكوميديا سوداء تطغى على المشهد السياسي في المنطقة وخارجها.‏

لسنا بوارد الدخول في حيثيات البحث عن المقدرات العسكرية ودورها والجيوش «الجرارة» وجحافل الجلالات ومقدرات الإمارات الممتدة غرباً وشرقاً.. ولسنا في سياق التعليق على الفكرة بقدر ما هي محاكاة لهزلية المشهد، وهو يرسم الأفق السياسي لمحددات تخرج عن هوامش البكائيات العربية المشدوهة من فظاعة المفارقة وكارثية المحتوى، خصوصاً حين يكون مقدمة كي ينسحب على البقية في تعاطيه مع تطورات المنطقة، وما تخفيه خلفها من سراديب وأقبية سياسية وغير سياسية، التي تحاول استنساخ المنطق الأميركي في أردئ طبعاته.‏

فالخلط بين الأدوار الوظيفية والمهام الظرفية الآنية لم يعد مجرد افتراض في السياسة الأميركية المعتمدة لإدارة الخراب والدمار في العالم، خصوصاً بعد أن بالغت في رسم الوظائف الموكلة لتكون بديلاً عن الحضور الأميركي المباشر، سواء كان لإشعال الحرائق أم لتعميم الفوضى، حيث يسجل لأميركا أنها تمكنت من مد الحريق حيثما اتجهت أصابعها بالإيحاء أو التخطيط.‏

وبات مع هذا الخلط الأميركي كل شيء ممكناً حتى إن المحظورات التي درجت عليها الشعوب والدول لعشرات العقود تحولت إلى حالة مباحة ومتاحة في الوقت ذاته، وباتت الشريعة الوحيدة المعمول بها هي التي تحددها المعايير الأميركية، وهي في الوقت نفسه مباحة فقط لمن يرضى ويقبل بالهيمنة الأميركية، وما عدا ذلك فهي محرمة وكافرة حتى في اللفظ الأميركي.‏

فالفارق أن الأميركي اليوم تحول إلى مصدر أحادي للفوضى، هنا مسموح وهناك مرفوض، وإلى منتج متفرد للخراب يبيح هذا ويحظر ذاك, وفق مقتضيات الهيمنة التي يصارع من أجل بقائها كصراع الكثير من الدول الوظيفية في المنطقة، التي تعمل على تدوير الزوايا من أجل الوجود المهدّد، تحت ضغط المتغيرات والحديث المتنامي عن خرائط جديدة تقتضيها الضرورة الاستراتيجية، وتفرضها صراعات المحاور وتجاذبات الاختلاف في تقييم المصالح القائمة في كل الاتجاهات.‏

الخطير في الأمر أن بعض الدول الوظيفية تلك وجدت أن الأمر يقتصر على نيل الرضا الأميركي وفي سبيله لم تدخر جهداً من أجل الوصول إليه، ولو كانت تحت راية تغذية الإرهاب وتنظيماته، والإصرار على الدفع بها لتكون رأس حربة في الممر الإجباري الذي تخوض فيه الصراع جنباً إلى جنب مع ذيول الهيمنة الأميركية.‏

الأخطر من هذا وذاك كان عودة بعض الدول إلى التبرع بأدوار لا تليق إلا ببعض الأجراء الوظيفيين، وأن تكون البديل العملي للغرق في مستنقعات الصراعات المتفشية في المنطقة، وقد توهمت أنها قادرة على إعادة عقارب الزمن إلى الوراء، وأن ما ذهب يمكن أن يرجع إذا ما استلت العصا الأميركية ولو كانت بطريقة مقلوبة.‏

لن ندخل في تفاصيل الوضع، ولا في التعليقات المتتالية حول حقول الانتشار الداعشي في كل الاتجاهات وتوقيتها ومسرحيات اخراجها الهوليودي، بما فيها تلك الغارقة في مخططات الاستخبارات الأميركية، لكن كان لافتاً التوقيت في انتقال مسرح العمليات الداعشية بما في ذلك جريمتها المدانة بحق المصريين، لنسأل من دون براءة عن معطيات تتداولها سياقات متناقضة عن منصة الخراب الأميركي المتنقلة في كل الاتجاهات، والتي تصبح بموجبها جحافل «الجلالة» تمهيداً قسرياً واستدلالاً على عبثية الوضع العربي وكارثية القاع الغارق في ثناياه.‏

الأدهى.. ألا يتجرأ أحد على الإجابة لمصلحة من توريط مصر في المستنقع الليبي.. ليكون التدخل هنا أو هناك بذريعة كان أم بحجة وقرينة أو من دونها جميعاً تشريعاً للنموذج الأميركي واقتداءً به؟!!.‏

بقلم: علي قاسم