مصر والعبرة السورية

سقطت الدول المُحتواة في وعاء “مجلس التعاون الخليجي” وسط دوامة ارتباك مُعلنة على الملأ، لم تنفع معها المخاتلة وخصلة المواقف الرخوة التي تصِم خصوصيات هذه المجموعة الإقليمية في تعاطيها المشوّه مع القضايا الراهنة، وسجّلت ضروباً هائلة من التناقض ما بين اعتبارات التصنيف القومي والأخرى ذات الصلة بالتبعية ومسارات الاستلاب والانسلاب لمراكز القوى في هذا العالم.

ويا لبلاغة العبرة التي يمكن قراءتها في بيان”المجلس” بشأن الموقف من مصر في تنازعها الحدّي الصارخ مع قطر، وما جرى إعلانه بعد البيان من تسويغات وهروب من المسؤولية وردت على لسان كبير”طوال العمر” عبد اللطيف الزياني، الذي لم يسعفه نصيبه المتواضع من الحنكة، في إقناع من يجب أن يقتنع بمصداقية عباراته المتداخلة، التي حاول عبرها مغازلة القيادة المصرية وترميم أثر وقع الصدمة التي احتواها الجانب المصري بحذر، سيما ألا خطأ يمكن تسجيله على السفير المصري في الجامعة العربية، الذي أشار إلى الدور القطري السافر في دعم الإرهاب.

لسنا الآن في وارد الحديث عن ملامح النسق الوطني في ذهنيات زعامات خليجنا البائس، والظنون أو الأوهام بالبعد القومي العربي هناك، بل نحن أمام حالة انكشاف توحي بإحداثيات اصطفاف جديدة، كان أبرز ملامحها تبلور الموقف الجمعي الخليجي الداعم والمحابي للإرهاب، ومقدمة تبشّر بخروج مصر من حالة الانكسار المعنوي أمام معونات دول “مجلس براميل النفط والغاز”، وفي هذا المتغيّر الأخير ما يحفز على البدء بحسابات جديدة لمستقبل الكثير من التجسيدات الواقعية لمفاهيم مرتبطة بالبعد القومي، وحضور الدولة الوطنية على خارطة العالم العربي، التي شوّهتها المشيخات و”المضارب” المعلنة بهيئة دول ودويلات ممسوخة، والمهددة أيضاً بمرتسمات طائفية  وإثنية طارئة بقرار صُناع الإرهاب والموت الجوّال.

الآن لم يعد من مجال لمواراة المواقف في “مضارب زعامات الخليج” إزاء الإرهاب ونشاطه الكارثي، إن في سورية أو في مصر أو باقي البلدان العربية المأزومة بأخطر ظاهرة عرفها العصر الحديث، وعلى الأرجح لم يكن المصريون بحاجة إلى إعلان “الخليجيين” وبيانهم الفاضح للتأكد من تورط أصحاب مليارات ذر الرماد في العيون -دعماً للانقلاب على مرسي- في تأجيج نزعات الانتقام من بني البشر، كما لم نكن نحن في سورية ننتظر إعلان التحالف بين السعودية وقطر –المتنازعتين في سباق تدجين المرتزقة- لتدريب الإرهابيين “المعتدلين” بموجب الاتفاق على تأبط الشر لسورية بين أنقرة وواشنطن، وبما يكون أبعد من اختراق تركي بري للأراضي السورية، كما حصل فجر الأمس، في حال استطاعوا التصعيد أكثر.

ولسنا بحاجة لا نحن ولا المصريين إلى مزيد من القرائن لنتأكد أننا معاً في مواجهة “خليفة بني عثمان الحالم”، مع فارق أننا أكثر تضرراً من روائحه العفنة بحكم مقتضيات الجغرافيا.

بالنسبة لنا في سورية قد قطعنا شوطاً طويلاً ومضنياً في الحرب على الإرهاب بطرازه التكفيري، وهو أشد أنواع الإرهاب خطورةً على الشعوب وحضاراتها، ويمكن للأشقاء المصريين قراءة تفاصيل تجربتنا التي يمكننا وصفها بـ”الطويلة” في مقارعة الإرهاب ورصد محطات المعركة معه، واستنتاج الدلالات من نقاط الاستهداف التي ركز عليها النشاط التخريبي المنظم.. وسيجدون أن الجيش بكل إمكاناته كان الهدف رقم واحد، يليه البنى التحتية والمرافق الحيّة، التي تجسّد دور الدولة في حياة أبنائها، وسلسلة ملامح حضارية أخرى، وكل ما له صلة بمقوّمات الدولة بمفهومها العسكري والسياسي والاقتصادي والاجتماعي.

هو الدرس السوري الذي يجب أن يستفيد منه المصريون في مواجهتهم مع ذات الخطر، وبالبرامج ومنهجية الاستهداف ذاتها، وربما في الدرس العراقي ما يفيد أيضاً، لأن ثمة قوة ثلاثية المرتكزات في هذا العالم العربي، تقوم على ثلاث دول بثلاثة جيوش.. سورية ومصر والعراق، لن يكتمل مسلسل الإلغاء لكل ما هو قومي عربي إلّا بنسفها من الجذور.

دروس مريرة يجب ألّا تضيع أمام جعجعة مراوغات رعاة الإرهاب في الخليج العربي، وإغواء مليارات محاولات شراء المواقف.

ناظم عيد

انظر ايضاً

نظام أردوغان يرفض الافراج عن كاتبة أثار اعتقالها احتجاجا واسعا

اسطنبول-سانا رفض جهاز القضاء الخاضع لسيطرة نظام رجب طيب أردوغان الافراج عن الروائية التركية اصلي …