أمريكا والإرهاب «المعتدل»

لا تزال السيارات المفخخة والذبح بالساطور وتدمير المنجزات الحضارية قاسماً مشتركاً للتنظيمات الإرهابية التكفيرية القاعدية التي تمارس تلك الجرائم وفق أجندة مرسومة مسبقاً في سورية واليمن والعراق وليبيا، وعلى الرغم من انكشاف أمر هذه العصابات إلا أن وسائل الإعلام المرتبطة بالمشروع الأمريكي ـ الإسرائيلي لا تزال تتحدث عن «الربيع العربي» وعن «ثورات» اندلعت لغاية في نفس يعقوب.

هكذا قرر المخططون لـ«الربيع» المزعوم، «ثورات» لا علاقة لها بما أنجزته الثورات التحريرية، ولا حتى بتحسين حياة الإنسان، بل كانت هيجانات تمت بفعل فاعل ثم جرى استغلالها والتحكم بتسييرها لتهديم البلدان، وتهجير البشر، وقتل الإنسان، وتفتيت الأوطان.

المسألة لا تتعلق بالبحث عن الحرية والكرامة والعيش الرغيد، وإنما كانت لنسف ما وصل إليه الإنسان العربي في بعض أقطاره من حرية وكرامة وتحسّن في مستوى العيش، فالتطور السياسي والاقتصادي والثقافي وحتى العسكري بات يهدد المصالح الأمريكية في المنطقة، وبات يهدد أيضاً وجود «إسرائيل» بعمل مقاوم لم تستطع القوة العسكرية الأمريكية- الإسرائيلية المسّ بقدراته وانتصاراته وخياراته التي لا تقبل بأقل من تحرير الأرض وإعادة الحقوق المسلوبة.

أربع سنوات من القتل والتدمير والذبح بالسواطير وبالسيارات المفخخة من قبل عصابات الإرهاب العالمي، ولا تزال أمريكا وأذنابها في المنطقة تتحدث عن المجرمين الذين ينفذون كل تلك الجرائم بأنهم «معارضة معتدلة» تستحق التدريب والدعم بالمال والسلاح والخبرات.

هل يستطيع الاقتصاديون أن يعبّروا بالأرقام عن حجم الأضرار التي تكبدتها الدول التي حرقتها نار ما يسمى «الربيع العربي»، ألم تتجاوز الألف مليار دولار؟

ربما تكون المبالغ أكبر من ذلك، لكن الخسارة في الإنسان هي الأقسى والأخطر والتي يصعب تعويضها، والخسارة النفسية والإنسانية، وهذا الانحطاط الكبير الذي يغلّف كل جرائم إرهابيي أمريكا من «القاعديين والدواعش» وغيرهم هو الخسارة الأعظم للإنسانية جمعاء.

للأسف لا تزال الإدارة الأمريكية تراهن على الإرهاب وتخصص له ملايين الدولارات لتعميق خبراته الإجرامية وتتحالف معه لاستمرار مسلسل القتل والتفجير والتهجير في سورية واليمن وليبيا ومصر وأوكرانيا، مؤكدة أنها تقود العالم «من الخلف» هذه المرة لرميه في هاوية لا قرار لها كي تبقى متربعة على عرش أحادية القطبية، مع أن ذلك بات مستحيلاً.

العالم يتجه إلى خيارات لن تكون بمصلحة أحد، ولن تكون لمصلحة أمريكا، مذكّرين بالقول الشهير: الإمبراطوريات لا تموت من الجوع، وإنما تموت من التخمة!

محي الدين المحمد