الشريط الإخباري

التطرّف الإسرائيلي يحسم الجدل-صحيفة الثورة

يفترض ألا تكون مراكز استطلاعات الرأي وحدها التي أصيبت بنكسة بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات الإسرائيلية، بل تشاركها على الأقل إدارة الرئيس أوباما بشكل شخصي دون سواها في هذا المأزق، عدا ذلك بدت الأمور بنت بيئتها وفي سياقها، بحكم أن قلة كانت تراهن على خروج نتنياهو، مقابل كثرة واضحة في الغرب والمنطقة كانت تعوّل على بقائه، ولم تُخرج من حساباتها بقاءه..!!‏

فالسياسة الإسرائيلية اعتادت أن تكون في الجوهر ذاتها، وأي تغيير لا يعدو كونه إحلالاً لوجه مكان آخر دون أن يطرأ أي تعديل، ومن ثم فإن لعبة المراهنات لم تكن أكثر من زوبعة في فنجان سرعان ما تنتهي عند إعلان النتائج، لنعود إلى المربع الأول من السياسية الإسرائيلية.‏

لكن الأمر كان مختلفاً ومتبايناً هذه المرة، ليس لكونه يحمل تغييراً متوقعاً، بل بعد أن حملت سياسة نتنياهو شكلاً من أشكال المواجهة المفتوحة مع الإدارة الأميركية تحديداً مع الرئيس أوباما شخصياً، والحسابات كانت تراهن على مَن هو الأهم في معيارهم.. الإدارة الأميركية أم الكونغرس، بحكم أن التصويت سيحسم هذا الانحياز وذاك التفضيل، حتى لو بصورة مواربة، والواضح أن التطرف الإسرائيلي حسم الجدل..!!‏

والمفاضلة لم تكن بين من هو أحسن وأكثر مقدرة على تجسيد التطلعات الإسرائيلية، وأكثر وداً لإسرائيل، لأن الطرفين يتسابقان في خطب الود الإسرائيلي ولوبياته في الداخل الأميركي ولا يختلفان عليه، بل جاءت المفاضلة بين وجه معتدل تمثله الإدارة الأميركية على حدّ زعم الإعلام الغربي، وبين نظير متشدد تعكسه تصرفات الكونغرس والجمهوريين داخله، ويمكن بناء على ذلك الاستدلال على عناوين المرحلة المقبلة لدى المجتمعات الغربية التي تقرأ بوصلتها عبر الإسرائيلي والتطرف مقياساً.. وربما انموذجاً.‏

في المحصلة.. لم تكن الانتخابات الإسرائيلية معياراً يمكن الاستناد إليه لفهم تجاذبات الداخل الإسرائيلي فحسب، بقدر ما تؤشر إلى منحى التطرّف وخياراته ومكامنه، حيث ترجمت نزوعاً متجدداً في العقل الإسرائيلي نحو التشدد والتطرّف في مشهد يعكس الحالة السائدة في الغرب الذي أبدى نزوعه المبكر نحو ذلك التطرّف الممنهج بوجوهه المتعددة ونماذجه المختلفة.‏

وإذا أبدى البعض اندهاشه لبعض الوقت مما آلت إليه النتائج تلك، فإن الأغلبية العظمى عادت لتلمس الواقع من بوابة الإدراك بما وصلت إليه ذهنية التطرف, ومعايير العمل السياسي التي باتت تجذب البيئات الأكثر تطرّفاً لتفرض حضورها السياسي في الأروقة الغربية ومتدرجاتها المتباينة لجهة التعاطي مع التطورات، حيث أحداث المنطقة تمثل حقول تجارب ومشاريع تكتيكية، ولكن بالذخيرة الحية!!‏

من الواضح، أننا أمام مدّ من التطرّف يتساوى فيه الإسرائيلي مع الغرب في فهمه لمقاربات الدور، وقد اعتدنا أن تكون إسرائيل قاطرة لذلك التطرّف تأخذه إلى حيث تتموضع مفاهيم الدور والصيغة والمهمات الوظيفية، وهي تمهد الطريق أمام التطرّف الغربي ليحذو في الاتجاه نفسه، ما يؤشر إلى مرحلة من التطرّف الأعمى ستكون انعكاساته على المنطقة أشد وضوحاً عبر تغذية الإرهاب بالمنحى ذاته والأسلوب نفسه.‏

المفارقة كانت في الرهانات المختلفة التي سبقت تلك الانتخابات، أو ما تم التعويل عليه على ضوء النتائج التي انشغلت فيها الكثير من الأطراف والدول، حيث كان واضحاً أن نسق التطرّف يشق طريقه نحو مزيد من الحضور في المشهد السياسي، وخطب نتيناهو ود الأشد تطرّفاً في إسرائيل لم يكن خارج سياق ذلك التوجه بما يعنيه أن الفرضيات المسبقة قد انهارت وعلى جميع الأطراف التعاطي مع موجة جديدة من التطرّف والإرهاب لا سابق لها.‏

التطرّف الإسرائيلي يحسم الجولة.. والإرهاب في المنطقة وخارجها تُتاح له فسحة إضافية كي يوغل في إجرامه، مدعوماً بسياقات غربية تترجم ذلك التطرف في إنتاج بيئات سياسية وإعلامية تتناغم مع متطلبات إنتاج الإرهاب، أكثر مما تعكس تذمراً من موجة التطرّف وكذب الادعاء بالخشية من عودة الإرهابيين أو وجود المتطرّفين داخل المجتمعات الغربية، الذين باتوا رهاناً انتخابياً، وربما رصيداً احتياطياً في صناديق الاقتراع لكثير من ساسة الغرب..!!‏

بقلم: علي قاسم