“فن الهجيني .. في الغناء البدوي” دراسة شاملة لأحد فنون الغناء الشعبي

دمشق-سانا

يركز كتاب “فن الهجيني .. في الغناء البدوي” للكاتب “محمود مفلح البكر” على التعريف بهذا الفن من الغناء البدوي النشأة وتحديد أوزانه والحانه وتمييزه عما يلتبس به من فنون الشعر والغناء وبيان أغراضه ودوره في حياة الناس.

وبين البكر في كتابه ان الهجيني أهم أنواع الغناء في البادية العربية الممتدة من عمق شبه الجزيرة العربية إلى بلاد الشام وما على صلة بهما من أرياف الأردن وفلسطين وسورية والعراق.

ورأى الكاتب ان الهجيني مثل الكثير من فنون الأدب الشعبي يصعب التأريخ لبداياته ومع ذلك يمكن الجزم بمنشئه البدوي حيث جاشت بآهاته صدور الرعاة وحداة الإبل ممن لوعهم العشق وألمهم الفراق والوحدة والحرمان فباحوا بزفرات صدورهم ألحانا تتموج مع تضاريس الأرض المترامية.

وأشار الكاتب إلى ان تسمية شعر الهجيني نتيجة ارتباطه بالبداوة وبالهجن وهي النوق الأصيلة فالهجيني يطرب الإبل لتغذ السير باتجاه مكان المحبوب وتختصر الزمن لتقرب اللحظة المنشودة.

وحول بنية النص في الهجيني بين الكاتب ان القصيدة الشعبية من الشعر الهجيني تتكون من بيتين أو ثلاثة على الأغلب وربما تصل إلى أكثر من ذلك أحيانا حيث توجد نصوص من عشرين أو ثلاثين بيتا لكنها قليلة نسبيا وهي من نظم شعراء محترفين.

وأوضح الكاتب ان الهجيني يعتمد في بنيته النصية على ثلاثة نماذج أساسية أولها الهجيني المقفى الصدور والإعجاز وفيه تقفى صدور الأبيات بقافية تختلف عن قافية الإعجاز وهو نموذج الهجيني المتقن مثال ذلك “ياراكب اللي قطب عجة .. أربع قوايم بلا روح .. ياضلوع قلبي لهن لجة .. جوا الضماير لهن جوح”.

والنموذج الثاني هو الهجيني المقفى الإعجاز دون الصدور وفيه يقفى عجز البيت فقط ومثال ذلك .. “يا بنيه ما انت طويلة بحيل .. ياللي بعيونك سحرتيني .. طويت قلبي سبع طيات .. طي الحبر بالدكاكين”.

أما النموذج الثالث فهو الهجيني المربع وفيه تتألف الهجينية من أربعة اشطر يلتزم قائلها قافية واحدة في ثلاثة أشطر ويأتي بالقافية الرابعة مختلفة وإذا زاد عدد الأبيات تتغير القوافي الثلاث الأولى في كل مقطع بينما تتكرر قافية الشطر الرابع دون تغيير ومثال ذلك “سميتها بنت الفياض .. وخديدها بارق ياضي .. يصعب على الذيب مركاضي …قلبي على الزين مشطون”.

وحول أوزان الهجيني خلص البكر بعد أن قدم عدة آراء لباحثين درسوا هذا الفن إلى ان طبيعة الهجيني جعلت من الصعب تحديد أوزانه في كثير من الأحيان فهو يغنى بألحان كثيرة بعضها يشبه ألحان القصائد كما انه يتعرض إلى موضوعات تطرق لها الشعراء الشعبيون ويعتبر وزنه وسطا بين الشعر الشعبي من حيث عدد التفعيلات كما أن نظمه على شكل قصائد مطولة جاءت على أوزان مجزوء البسيط والبحر البسيط والبسيط التام لذلك يصعب تحديد أوزان فن الهجيني كما يرى البكر.

وحول ألحان الهجيني أشار البكر إلى ان الألحان في هذا النوع من الشعر الشعبي متقاربة في مختلف المناطق من الجزيرة العربية إلى بلاد الشام والألحان البدوية تمد الصوت إلى أقصى ما يمكن ثم تصبح الألحان أقصر فأقصر كلما اقتربنا من المدينة.

وقدم في كتابه أربعة نماذج من الألحان للهجيني حيث يمكن أن يغنى بشكل فردي بيتا بيتا دون تكرار أو يغنى من قبل اثنين فهناك “قوال” و”رداد” فالأول يبدأ بالغناء بقول الشطر أو البيت كاملا والثاني يعيدهما مرة أو أكثر ويمكن أن يغنى بشكل جماعي بمرافقة العزف على الربابة أو على آلات النفخ الشعبية مثل “المجوز” و”اليرغول” و”الشبابة”.

واستعرض البكر أبرز أغراض الهجيني التي تشكل محاور أساسية جذبت كثيرا من قائليه كان أولها القضايا الاجتماعية والاقتصادية حيث كتب العديد من القصائد حول الفقر والعوز والغنى والمال وغير ذلك في وصف حالة المجتمع في البدو والريف والمدينة كما كتب الهجيني لأغراض النسيب وهو وصف حالات العشق والحب والفراق والوداع والتوق والحنين كما استخدم الهجيني لأغراض المديح والهجاء والحكمة والنصيحة والوصف.

وتطرق البكر في الجزء قبل الأخير من الكتاب إلى علاقة الهجيني بالطبيعة وما تتضمن من بواد وسهول وجبال وينابيع ماء وأنهار وغيرها كما تحدثت القصائد عن الطير والنبات والحيوان المختلفة والمناخ والكواكب.

وأفرد الكاتب الجزء الأخير من الكتاب الصادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب ويقع في 270 صفحة من القطع الكبير لعرض أكثر من مئة نص من شعر الهجيني كأمثلة عما ورد في دراسته لهذا الفن من الغناء البدوي.

إيناس سفان