من جلجامش إلى نيتشه.. كتاب للأديب مصطفى صمودي.. قراءات موسوعية في الثقافة والفكر الإنسانيين

دمشق-سانا

في بحوث جاءت على شكل قراءات موسوعية في الثقافة والفكر الإنسانيين حاول الأديب مصطفى صمودي عبر كتابه الذي حمل عنوان “من جلجامش إلى نيتشه” أن يتناول الأسطورة وبناءها المعرفي وصولا للفلسفة ورموزها التاريخية عبر العصور متحريا دقة النقل والتخريج.

وتطرق صمودي إلى ملحمة جلجامش ملخصا وموصفا عناصر الملحمة الميثولوجية دون إخضاعها لعلم تعليل الأسباب الايتولجيا كونها قوة حطمت أطر الزمان والمكان فالأسطورة تسبح في الخيال المجنح وهي مرآة الشعوب التي شاركت في صياغتها وأضافت إليها من عندياتها.

وفي مقاربته المعرفية لأسطورة جلجامش ناقش صمودي مفهوم الحياة والموت من خلال استقرائه لشخصية جلجامش الذي هزه موت صديقه أنكيدو الذي مات جراء قتلهما لخمبايا والثور السماوي الذي بعثته الآلهة للنيل منهما فتوقف جلجامش عن البحث عن سر الخلود ليعرف في النتيجة أنه يكمن في أثر المنجز الإنساني.

وفكك صمودي رموز الملحمة كالطوفان والخبز والزيت والطين والأحلام والبقرة موضحا أبعادها الأنثربولوجية ليصل إلى النتيجة بأن الأساطير اللاحقة لأسطورة جلجامش انتحلت شخصياتها تحت أسماء مختلفة و أن الاساطير العالمية تتشابه إلى درجة التطابق.

وقدم صمودي تحت عنوان “مكابدات بوذا وانطفاءات النيرفانا الديانة البوذية” تعريفا عاما فصل فيه العقائد والإثنيات الهندية متتبعا ولادة بوذا وطفولته وإرهاصات مكابداته بعد أن تعرف على الآلام التي تحيط بالإنسانية فأوغل بوذا بحياة التقشف وتعذيب الجسد في رحلة بحثه عن سر الحياة والموت والموجودات إلى أن استقرت روحه إلى ما وصلت إليه تأملاته الفلسفية.

ووصف صمودي بوذا “بأنه رجل وسط بين السماء والأرض بين اللين والشدة والمتعة والتقشف جمع المتناقضات وأحسن الاستعمال خلص مجتمعه من جموده العقائدي آنذاك وحاول إلغاء الفوارق الطبقية”.

وفرق صمودي بين كتاب الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه “هكذا تكلم زرادشت” وبين ما جاء به زرادشت ويعلل ذلك بأن نيتشه في كتابه كتب قصيدة مطولة ركز فيها على الفرد من النخبة الذي يتفوق على إنسانيته كما طمح الفيلسوف الألماني إلى مجتمع يسود فيه المتفوقون كما يشير صمودي إلى تباين الآراء حول شخصية زرادشت مجليا محور بحثه الأهم وهو تعاليمه التي أمر بها أتباعه أن ينشروها وهي النور والخير والعدل والسلام.

وبين صمودي تميز الصين بلغة فريدة وقوانين وعادات وفنون وعقلية وحكمة وحسن سياسة وفلسفة ومن بعض أقوال كونفوشيوس كتب صمودي.. من السهولة خدمة المتفوق ومن الصعب إرضاؤه ومن الصعب خدمة الوضيع ومن السهل إرضاؤه , إذا فسدت الأخلاق فسدت الأمة معها.. إذا بلغ المرء الأربعين ولم يسمع عنه شيء فلن يكون جديرا بالاهتمام.

وفي الكتاب عرض لمؤلفات أفلاطون ومدينته الفاضلة وآرائه وإيمانه بخلود النفس وبعالم المثل وافكاره الرافضة لآراء السفسطائيين “أتباع الفلسفة الجدلية” مثل “إن الحواس خير وسيلة للمعرفة” وقول بروتاغروس “الإنسان مقياس الأشياء كلها”.

ووازن صمودي بين أفلاطون والفارابي في طرحهما للمدينة الفاضلة إضافة إلى ابن خلدون ومؤلفاته ومفهوم الدولة عنده حيث قسم أطوار الدولة إلى طور الظفر “طور الاستبداد- طور الفراغ والدعة- طور القنوع والمسالمة -طور الإسراف والتبذير.

كما تحدث المؤلف عن عصر التنوير وتحولات الفكر الفلسفي حيث أبرز صمودي في جولة بانورامية فلسفة فولتير ونظره في الحكم والحضارة والمساواة والملكية والتعليم والحرب.

يعد الكتاب بجمعه ونقله الدقيق ولغته السهلة اليسيرة بحثا تعليميا تثقيفيا في مباحث فكرية فلسفية وتأثيراتها عبر العصور التي طالت كل المجالات.

يذكر أن مصطفى صمودي شاعر ومسرحي من مواليد حماة 1946 درس الأدب العربي في جامعة دمشق ويرأس حاليا فرع اتحاد الكتاب العرب بحماة ونال العديد من الأوسمة والجوائز عن أعماله الإبداعية… له ثلاثون كتابا ما بين دواوين ومسرحيات شعرية وبحوث فكرية وفلسفية.

محمد الخضر