الرهانات على حلب.. ورهان حلب-صحيفة البعث

بعيداً عن كل الكلمات المنمّقة وحفلة النفاق الدائرة هذه الأيام حول حلب ومأساتها، وهي مأساة كبرى بكل المقاييس، فإن ما يحدث في حلب اليوم هو نتيجة حقيقة بسيطة للغاية يريد البعض دفنها تحت ركام البكائيات الفضائية المتواصلة، وهذه الحقيقة تقول: إن حلب اليوم، كما كانت في الماضي وستبقى في المستقبل، هي الفالق الاستراتيجي لمستقبل المنطقة، وهي الرهانات القصوى للأدوار والأحجام و”الأوهام” المستقبلية، الشخصية والحزبية، لأطراف الحرب الدائرة في سورية وعليها.

فمأساة حلب لم تبدأ بالأمس كما يروّج البعض، بل بدأت، لتذكير من نسي أو يتناسى، حين قرر السلطان التركي و”دعاة الحرية” معاقبة المدينة، وسكانها، على عدم انجرارها إلى شرقهم الأوسط الجديد، فكانت تلك الليلة المشؤومة من صيف 2012 حين اجتاحتها جحافل الغزو، التركي الرعاية والخليجي التمويل والأمريكي القرار، وما تزايد درجة العنف والإرهاب فيها هذه الأيام سوى نتيجة قرار واعٍ لمن وقف خلف هروب “وفد الرياض” من مجابهة لحظة الحقيقة لـ “جنيف3″، والتي اتضح أن مخرجاته لا ولن تلبي مطالب هؤلاء بإجراء عملية التسليم والتسلّم في مدينة “جنيف” والعودة لدمشق بمفاتيح وزاراتها ومؤسساتها السيادية.

بيد أن هناك سبباً آخر للمأساة لا يمكن إشاحة النظر عنه، وهو أن حلب، بموقعها الجغرافي وطبيعة سكانها وحيويتهم اللافتة وتسامحهم التاريخي وتقديسهم لفكرة العمل المنتج، هي النقيض الحضاري لسلطنة بني عثمان، وحين تزدهر “حاضرة بني حمدان ودرة أبي فراس وسيف الدولة”، تنطفئ اسطنبول وغيرها من مدن السلطنة، لذلك كان القرار بتدميرها بالكامل إذا تعذرت السيطرة عليها، وهنا تحديداً، وليس لأي سبب آخر، يمكن فهم دعوة “أوغلو” لـ “تحريرها”، وهذه المرة من أهلها، بعد أن حررها “معلمه” من كل بنى الحياة فيها، فسرق مصانعها ونقلها كما هي إلى مقر السلطنة في استعادة “أمينة” لما فعله “أجداده” قبله حين نقلوا كل صاحب مهنة وكل مبدع في مجال من مجالات الحياة من حلب إلى اسطنبول وغيرها من المدن التركية.

بهذا الإطار فقط يمكن فهم التصعيد الحالي، ويمكن تفسير حجم الحقد الإرهابي الذي تعانيه المدينة وسكانها، وبهذا الإطار أيضاً يمكن فهم حفلة البكاء الكاذبة لمن رفض وقوف المدينة مع الوطن السوري الأكبر.

وبهذا الفهم يمكن لنا أن نستبق نتائج اجتماع “الجامعة العربية” غداً حول حلب بالقول: إنها ليست سوى محاولة “الحادي” العربي لمدّ “المغتصب” التركي والغربي بغطاء رسمي من “مئذنة” الجامعة، تأكيداً للمقولة الشهيرة للراحل “محمود درويش”، وبالتالي منح “المغتصب” قدراً أكبر من المقاعد التفاوضية في مستقبل المنطقة من بوابة “مرج دابق” جديدة، متناسين أن نجاح “مرج دابق” الأولى، وبخيانات بعضهم أيضاً..!!، كان لها أن تخرج العرب جميعاً من التاريخ لنحو أربعمائة عام مظلمة ما زالت تبعاتها مستمرة حتى اللحظة، ولا يبدو الأفق وردياً بهذا الشأن للأسف الشديد.

أما الكلمة الفصل بشأن حفلة النفاق عن حلب، فقد قالها الدكتور أحمد السيد النجار، رئيس مجلس إدارة “الأهرام” المصرية، والتي اتهم فيها دول الخليج وتركيا بدعم الإرهاب في سورية بتحريض غربي، و”أنه لا تتعالى أصواتهم إلا في حالة هزيمة داعش والجماعات الإرهابية واتساع رقعة المناطق المحررة من أيديهم، بدعوى وقف نزيف دم الشعب السوري”.

لكن لحلب، الحامية التاريخية لـ “الثغر” مع الروم، صوتها الأقوى والأعلى، وسيكون لها الكلمة الفصل رغماً عن الجميع، خاصة وهي تسمع شرفاء سورية يرددون مع كل مطلع شمس: “حلب قصدنا .. وأنت السبيل”.

أحمد حسن

تابعوا آخر الأخبار السياسية والميدانيـة عبر تطبيق تيلغرام على الهواتف الذكية عبر الرابط :

https://telegram.me/SyrianArabNewsAgency

تابعونا عبر تطبيق واتس أب :

عبر إرسال كلمة اشتراك على الرقم / 0940777186/ بعد تخزينه باسم سانا أو (SANA).

تابعوا صفحتنا على موقع (VK) للتواصل الاجتماعي على الرابط:

http://vk.com/syrianarabnewsagency

انظر ايضاً

عصر التحولات الكبرى الجديدة بقلم: بسام هاشم

.. للمفارقة، فقد توجت “نهاية التاريخ” بتدمير نظام القطبية الأحادية نفسه، ليدخل عالم اليوم مرحلة …