بيان.. بلا طول سيرة

أما وأننا بلورنا حكومتنا، وهي استحقاق، فهذا يعني أننا تجاوزنا نقطة علام زمنية وشماعة إرجاء تنفيذية بغيضة لمهمات تكتسب صفة الخصوصية المطلقة ولا تقبل التأجيل، كانت تُرشق بعبارة “بانتظار تشكيل الحكومة”.

كما يعني أننا أشرعنا البوابة الحكومية باتجاه استحقاقات أخرى تتخطى البعد البروتوكولي، واعتبارات الميزة والامتياز التي تستحكم، تقليدياً، بثقافة التعاطي بين رجل تنفيذي ومواطن لدينا.

ولا نعتقد أن علينا، بعد توجيهات السيد الرئيس بشار الأسد أمس، انتظار بيان حكومي عادي، فالمسألة تتخطى إملاءات التقاليد الورقية، واستعراض برامج النيات المتفائلة، إلى “مفازات” الاستحقاق الملحّ، التي تختلط فيها الضروريات، وتتزاحم لحجز المرتبة رقم واحد على قائمة الأولويات.

وإن كان مصطلح حكومة إطفاء حرائق يشكل تهمة استرخاء للفرق التنفيذية في زمن الاستقرار، إلّا أننا اليوم بحاجة إلى حكومة تحمل هذا اللقب فعلاً، لكن ليس بالمعنى الرديء المتداول شعبياً، ونجزم أنه سيكون أمامها مهام جسام، لأن حرائق الأزمة أعلنت نفسها تحدياً صعباً، ولا خيار بديلاً عن المواجهة، وما أوسع الرقعة الأفقية المطلوب إطفاءها.

أمام مثل هذه الاستحقاقات الصعبة بجزئياتها وكلياتها، لا نملك أن نخفي هواجسنا من أن تنشغل حكومتنا الجديدة وتشغلنا بالعموميات “الاستراتيجية”، وتغرق في دوامة الدوران فيها، إذ لا بد من التفصيل والغوص في الحيثيات الدقيقة، ولأننا في مواجهة مع شيطان الأزمة، لا بأس هذه المرة بالزج بشيطان التفاصيل في معترك المواجهة، بل هذا هو المطلوب.

لقد استطالت قائمة المؤجلات لما بعد الأزمة، وثمة ما لم يعد قابلاً للتأجيل أكثر، خصوصاً ما يتصل مباشرة بـ “أساسيات يوميات المواطن” وهذا ما أشار إليه السيد الرئيس صراحةً في توجيهاته، التي رسمت ملامح خارطة الطريق التنفيذية، التي لا فسحة فيها للكلام المنمّق، والتصريحات البروتوكولية، والقول على حساب الفعل والعمل.

المطلوب معالجات على داخل الجسم الاقتصادي للتخفيف من وطأة الظلال الثقيلة للأزمة على الجانب المعيشي، فالبطالة وصلت إلى معدلات غير مسبوقة، ولا يمكن كبح جماحها، بانتظار المشروعات العملاقة وذات الوزن الثقيل، ولابد من وصفات إسعافية سريعة، ولو على طريقة “ماشي الحال” لتخفيف تعقيدات مشكلة ذات رؤوس وذيول اجتماعية واقتصادية بالغة الخطورة. فبرامج تشغيل الشباب الخريجين لا تنجح هنا، لأن المطلوب وبذات التكاليف نشر المشروعات متناهية الصغر، وقد نكون أمام ظرف يجبرنا على فعل ما تراخينا بفعله منذ عقود، رغم “أطنان” التصريحات وإعلانات النيات الحسنة بشأنه، فلا مجال للتراخي الآن.

والمطلوب “معونات” للإقلاع بمكوّنات اقتصادية وخدمية مدرّة للدخل، وليس معونات لسد النفقات اليومية، أي “سلل مشروعات ميكروية”، وليس سلل مساعدات غذائية، ولا نظن أن صعوبة الوصول إلى المناطق المتضررة ستكون عائقاً أمام التحرك في هكذا اتجاه، لأن المقصود بالدعم هو ليس الجغرافيا بل البشر، وهؤلاء لم يعودوا في مناطقهم بل في مناطق أخرى تعلم الحكومة إحداثياتها جيداً وتستهدفهم بأشكال الدعم الاستهلاكي، فليكن دعمها لهم تنموياً الآن، وهذه ضرورة اجتماعية واقتصادية معاً.

ثمة الكثير من التفاصيل التي يجب العمل عليها، لأننا أمام أجندة استثنائية، بالتأكيد لا تلحظها الأجندات الحكومية التقليدية عادةً، فالحال بحاجة لكلام وتحرك بطريقة “شعبية” بسيطة عبر الالتصاق بالواقع أكثر، وليس بطريقة النظريات والعصف الذهني، لأن الميدان الآن ليس ميدان تجريب وتصارع منظرين، بل ثمة “حرائق” يجب إطفاؤها وبعض الحرائق تستدعي الترجل من سيارات الإطفاء.

بقلم: ناظم عيد

انظر ايضاً

الجولان في القلب بقلم: طلال ياسر الزعبي 

بعد مرور واحد وأربعين عاماً على قراره ضمّ الجولان العربي السوري، هل استطاع الكيان الصهيوني …